أهل السنة والجماعة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
أهل السنة والجماعة

موقع أهل السنة والجماعة ومذاهبهم الفقهية والعقائدية والرد على من خالفهم

  نرحب بكم بمنتدى أهل السنة والجماعة ، نرجو منكم الإنضمام إلى هذا المنتدى المبارك ، هدفنا من هذا المنتدى النصيحة لأنفسنا ولغيرنا ولسائر المسلمين وغير المسلمين بالحكمة والموعظة الحسنة ، الدين النصيحة لله ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم .

    درس في (( حب الدنيا رأس كل خطيئة )) للعلامة المحدث الشيخ / عمران بن أحمد بن عمران السيوطي الشاذلي المالكي - المتوفي في سنة 1956 م رحمه الله .

    avatar
    حجة الحق


    عدد المساهمات : 51
    تاريخ التسجيل : 17/01/2010

    درس في (( حب الدنيا رأس كل خطيئة  )) للعلامة المحدث الشيخ / عمران بن أحمد بن عمران السيوطي  الشاذلي المالكي - المتوفي في سنة 1956 م  رحمه الله . Empty درس في (( حب الدنيا رأس كل خطيئة )) للعلامة المحدث الشيخ / عمران بن أحمد بن عمران السيوطي الشاذلي المالكي - المتوفي في سنة 1956 م رحمه الله .

    مُساهمة  حجة الحق الأحد يناير 17, 2010 10:24 am

    الإرشادات الإسلامية
    الدرس الرابع
    ( حب الدنيا رأس كل خطيئة )
    لقد تقدم لك نفع الطاعة وضرر المعصية ، وعلمت أن الطائع سعيد عند الله ، محبوب مؤيد دنيا وأخرى ، مبارك فى عمره وذاته وماله وولده وكل أثره ، والشقى بالعكس من ذلك شقى مبغوض مخذول دنيا وأخرى مغبون فى عمره وذاته وماله وولده وكل أثره ، وعلمت أن العاقل لا يرضى لنفسه إلا الخير والخير كله فى الطاعة إذ لو رضى المعصية التى فيها خيبته دنيا وأخرى لكان مجنونا وبالطبع لا تكن هذه المعرفة إلا قلبا مشرقا بالإيمان بالله ورسله وكتبه وما خاضها من خاض فى معصية الله إلا بنقصان الإيمان وفقدان النور لأنه لو أشرق قلبه لعلم ذلك علما ليس بعده جهل ، ولرأى فى معصية الله حتى الصغيرة حتفه وهلاكه ، وإذا عرفت ذلك فاعلم أنك إذا حققت النظر عرفت أن حب الدنيا والعدول عنها هما عنصران فعالان فى معصية العبد وطاعته إذ من المعلوم أنه إذا انصرف عن شهواتها ولذاتها ولا يصرفه إلا حلول الآخرة فى قلبه بوارد إلهى أو صحبة صالح أو توسع فى علوم الكتاب والسنة وتشبع من الإطلاع على أحوال المصطفى  وما كان عليه السلف الصالح ، فبيقين يستقبل الآخرة ويجد فى طلبها بالتزود من الطاعات " وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى " (سورة البقرة) " ولا يزال عبدى يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به ويده التى يبطش بها ورجله التى يمشى بها ولئن سألنى لأعطينه ولئن استعاذنى لأعيذنه " فانظر إلى هذا الشرف العالى الذى جعله الله لمن يتقرب إليه بالأعمال الصالحة وكيف يكون حب الله إياه ، أفترى هذا يكون لمن يحب الدنيا ، والله لا يجتمع حب الله وحب الدنيا فى قلب عبد أبدا إذن فلن يكون الإقبال على الطاعة إلا بقدر الإعراض عن الدنيا ولن يكون الإعراض عن الطاعة إلا بقدر الإقبال على الدنيا على أنك لو نظرت إلى الخطايا كلها حتى الكفر لعلمت أنه ما كان من الدنيا وكذا ما دونه المعاصى : كزنى وربى وقتل وخمر وسرقة وشهادة زور وكذب وكل محرم ، فبصدق رسول الله  إذ يقول : " حب الدنيا رأس كل خطيئة " رواه البيهقى عن الحسن مرسلا ولا عبرة بمن طعن مراسيل الحسن كابن الجوزى والعراقى وغيرهما فإن الحافظ ابن حجر قال إن ابن المدينى أثنى على مراسيل الحسن والإسناد إليه حسن . انتهى من المناوى على الجامع الصغير وإليك ما ذكره فى هذا السبيل بنصه قال : "حب الدنيا رأس كل خطيئة " يشاهد التجربة والمشاهدة فإن حبها يدعو إلى كل خطيئة ظاهرة وباطنة سيما خطيئة تتوقف تحصيلها عليها فيسكر عاشقها حبها عن علمه بتلك الخطيئة وقبحها وعن كراهتها واجتنابها ، وحيها يوقع فى الشبهات ثم فى المكروه ثم فى المحرم وطالما أوقع فى الكفر بل جميع الأمم المكذبة لأنبيائهم إنما حملهم على كفرهم حب الدنيا –فإن الرسل لما نهو عن المعاصى التى كانوا يلتمسون بها حب الدنيا حملهم على حبها تكذيبهم- فكل خطيئة فى العالم أصلها حب الدنيا ولا تنس خطيئة الأبوين فإن سببها حب الخلود فى الدنيا ولا تنس خطيئة إبليس فإن سببها حب الرئاسة التى هى شر من حب الدنيا ، وكفر فرعون وهامان وجنودهما فحبها هو الذى عمر النار بأهلها وبغضها هو الذى عمر بالجنة أهلها ومن ثم قيل الدنيا خمر الشيطان فمن شرب منها لم يفق من سكرتها إلا فى عسكر الموتى خاسرا نادما إلى أن قال الإمام المناوى .
    (تنبيه) أخذ بعضهم من الحديث أنه ينبغى أن لا يؤخذ العلم إلا عن أقل الناس رغبة فى حب الدنيا فإنه أنور قلبا وأقل إشكالات فى الدين فكيف يؤخذ علم عمن جمع فى قلبه رأس خطيئات الوجود ؟! كيف وذلك يمنع من دخول حضرة الله حضرة رسوله ؟ فإن حضرته تعالى كلامه وحضرة رسوله كلامه ومن لم يتخلق بأخلاق صاحب الكلام لا يمكنه دخول حضرته ولو فى صلاته إذ لا يفهم أحد من أعلى صفة إلا إن صلح لمجالسته ، فمن زهد فى الدنيا كما زهد فيها المصطفى  فقد أهل لفهم كلامه ولو رغب فيها كغالب الفقهاء لا يؤهل لذلك ولا يفهم مراد الشارع إلا إن فسر له بكلام مغلق قلق ضيق كذا فى إرشاد الطالبين . انتهى بحروفه .
    هذه هى الدنيا التى بزت عقول الناس اليوم فصيرتهم مجانين ولقد كانوا بالأمس عقلاء فضلاء صلحاء ، إن العالم كان يفر من الدنيا كما يفر من الداهية الداهمة ، ولقد بلغنا أن الإمام أبى حنيفة النعمان طلب للقضاء فأبى فأوجع ضربا ولم يقبل ولقد صلى الصبح بوضوء العشاء خمسين سنة وكان يأكل الخبز المتكرج بالملح ويقول :
    كفى حزنا أن لا حياة هنيئة * ولا عمل يرضى به الله صالحا
    وهذا إسماعيل بن علية وصاحبه الإمام عبد الله بن المبارك وهما إمامان جليلان من رجال البخارى ، وكان ابن المبارك فى سعة من الدنيا ورثها وكان يفيض عليه فطلبه هارون الرشيد للقضاء فقبل لفقره فقاطعه ابن المبارك بتاتا فحضر ابن علية لزيارته فلم يرفع له رأسا فلما انصرف أرسل إليه هذه الآبيات :
    يا جاعل العلم له غازيا
    يصطاد أموال السلاطين
    احتلت الدنيا ولذتها
    بحيلة تذهب بالدين
    فصرت مجنونا بها بعد ما
    كنت دواء للمجانين
    أين رواياتك فيما مضى
    عن ابن عوف وابن سيرين
    إن قلت أكرهت فذا باطل
    زل حمار العلم فى الطين

    فلما قرأها بكى واستعبر على ما فاته من الحرقة بالعلماء والأبرار ولا زال يستعفى الرشيد حتى أعفاه وأقاله ولما زار الشافعى الإمام مالكا قدم إليه لقيمات وقال يا شافعى هذا جهد المقل وعاش الشافعى وهو فى إقلاله إلى أن لقى الله وهو فى إقلاله ، وكان يبعث إليه مالك لم وسع عليه آخرا نفقة كل عام ولما مات مالك كان ينفق عليه بعض رجال الحكم بمصر ، ولو أردنا أن نستقصى ما كان عليه أولئك الذى كانت لذتهم فى استخراج دقائق كتاب الله وسنة رسوله  حتى قيل إن الإمام ابن عرفة المالكى كان يقضى الليل كله من العشاء إلى الفجر فى مراجعة دروس الغد ، وكان يؤذن المؤذن بالمنارة على وقع محفظته إذا هو ردها فكانت محفظة الشيخ ساعة الليل التى يعرف بها المؤذن طلوع الفجر ولا تخطئ أبدا ولقد ذكر ابن الحاج فى المدخل الشريف عن إمام من أئمة الغرب جاء من درسه ولم يكن له ثوب ولحد خلعه ليغسل ولبس ثوب امرأته وقد وضعت له أقراص العجين ليخرج بها إلى الخباز حاملا ولده وأقراص العجين فاعترضته امرأة فى الطريق تطلبه فى الوقت لأداء الشهادة بين يدى القاضى فذهب معها بحالته التى هو بها ودخل على القاضى وكان يعرفه فكاد يذهب عقله ، فسأله ما هذا يا سيدى ؟ فقال إن ثوبى اتسخ فخلعته ليغسل وليس لى غيره فلبست ثوب امرأتى ولم أجد من يحمل هذه الأقراص إلى الخباز فحملتها بنفسى فبكى ولدى فحملته أيضا وخرجت إلى الخباز فاعترضتنى هذه المرأة لأداء الشهادة فخفت أو أؤخرها فيعاجلنى الموت فأدخل فى قوله تعالى : " وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ " (سورة البقرة) فحضرت إليكم هكذا فنظر القاضى إلى الشهود الآخرين وقال أفيكم مثل هذا ؟ فبهتوا وحكم للمرأة إلى غير ذلك من الأخبار العاطرة والذكريات الفاخرة لأولئك الأبطال الذين جعلوا كنوزهم زخائر التحقيق والتدقيق حين جعل الناس كنوزهم الذهب والفضة والدرهم والدينار ، هذا ولم يختلف عاقلان من أول الدنيا فى أنها فتنة يجب أن تتقى وأن لا يؤخذ منها إلا البلاغ فقط وفى الحديث الشريف أن رسول الله  قال : " ليكن بلغة أحدكم من الدنيا كزاد الراكب " رواه الحاكم وصححه وذلك لأن ما زاد عن البلغة فضول محاسب عليه شاغل عن الله طارد عن منازل الأبرار عنوان على ضعف الثقة بالله واليقين والتوكل ، ولهذا قال  : " ينادى مناد دعوا الدنيا لأهلها كررها ثلاثا من أخذ من الدنيا أكثر مما يكفيه أخذ حتفه وهو لا يشعر " وكم حذر أصحابه ونصح منها فقال لعبد الله بن عمر بن الخطاب : " يا غلام كن فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل " بل قال : " يا عائشة إذا أردت اللحوق بى فلا تستخلفى ثوبا حتى ترقيعه وليكفيك من الدنيا كزاد الراكب " علم  خطرها وضررها الوبيل وأنها الحجاب المانع عن الله والعدو الصاد عن ذكر الله وأنها فتنة المؤمن ومعصيته الطامة الكبرى " الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالما أو متعلما " رواه ابن ماجة عن ابن مسعود قال  ، بل قال  " الدنيا دار من لا دار له ومال من لا مال له ولها يجمع من لا عقل له " رواه أحمد عن عائشة قال المناوى : قال فى الحكم (ابن عطاء الله) لا بد لبناء هذا الوجود أن تنهدم دعائمه وأن تسلب كرائمه فالعاقل من كان بما هو أبقى أفرح منه بما هو أفنى وأنشد ابن أبى الدنيا :
    أيا فرقة الأحباب لا بد لى منك
    ويا دار دنيا إننى راحل عنك
    ويا قصر الأيام مالى وللمنى
    ويا سكرات الموت مالى وللضحك
    ومالى لا أبكى لنفسى بعبرتى
    إذا كنت لا أبكى لنفسى فمن يبكى
    ألا أى حى ليس بالموت موقنا
    وأى يقين منه أشبه بالشك

    بل إنه صلى الله عليهوسلم لما عرف خستها وحقارتها قال : " الدنيا لا تنبغى لمحمد ولآل محمد " قاله الإمام المناوى فى شرحه الكبير فإنه سبحانه حمى من أحبه واصطفاه عنها لئلا يتدنس بها ومنحها أعدائه ليشغلهم بها ويصرف وجوههم عنها ويطردهم عن بابه ويعمى قلوبهم ويصم أسماعهم " أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ (56) " (سورة المؤمنون) .
    قال ابن عطاء الله : " إنما لم يرض الدنيا له وجعل الدار الآخرة محلا لجزائهم لأن هذه الدار لا تسع ما يريد أن يعطيه ولأنه أجل أقدارهم أن يجازيهم بدار لا بقاء لها " . انتهى بحروفه .
    ولقد كان  يضع الحجر أو الحجرين على بطنه من الجوع بل كانت تمضى على أهل بيته ثلاثة أهلة فى شهرين لا يوقد لهم تحت قدر وما كان طعامهم فيها إلا الأسودين الماء والتمر كما فى صحيح البخارى وخرج من الدنيا  ولم يشبع من خبز وإدام قط ، ولما فى الفقر من الفضل قال  : " اللهم أحينى مسكينا وأمتنى مسكينا واحشرنى فى زمرة المساكين " بل نوه  بشأن الفقراء عند الله تعالى إذ يقول فيما رواه الترمذى وابن حبان فى صحيحه عن أبى هريرة  : " يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم وهو خمسمائة عام" ومصلحوا البشر من لدن أدم إلى يوم القيامة يعلمون أن الدنيا مهلكة فحذروا منها وأمروا الناس بإصلاحها ولهذا أنزل الله الشرائع وأرسل الرسل لإصلاحها ولولا ذلك لأصبح الوجود يبابا ، فمن تناولها بيد الشريعة المطهرة كانت آخرة محضة وثوابا خالصا ولا غناء له عنها ، ومن تناولها بيد الجهالة والشهوة والشره كانت هى الدنيا التى حذرنا منها الشرع وصاحت منها الرسل على أممهم من لدن أدم إلى سيد الخلق محمد  ، وقد تناولها كثيرا من السلف الصالح بسم الله وأجروها على تعاليم الدين ووزنها بميزان السنة والكتاب فسلموا من شرها وأمنوا من حيتها الرقطاء ، والآن وقد انقلبت الأوضاع وغير الإصلاح همج رعاع ودعا الآخرة من لبسوا جلود الضأن على قلوب الذئاب ، وناد الناس إلى دخول النار دعاة على هذه الأبواب ، وتزيى بالإمامة من لم يتطهر من جنابة غفلته ، وطلب العلم من نزع به إلى إشباع نهمته ، وقيل للناس على ألسنة زعماء الإصلاح لا بد من الدنيا ألا فاستبقوا فيها إلى كل على فنزع إلى درجاتها كل من يحمل استكبارا وعتوا بعد أن قال الله : " تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُواًّ " (سورة القصص).
    فمد الناس أيديهم إلى تناولها بيد الشيطان لا بيد القرآن فجمعوها لا من الشبهات فحسب ، بل من الربويات والسرقات والاغتصابات ، حتى دعا بعض من نسمع به العلماء إلى إيجاد دليل يجيز بيع الخمر والتعامل بالربا للمسلم ليكون المسلمون كالكفار بل أعطوا المرأة حق الرجل فهى الآن مدرسة ومحامية وستكون قاضية وشيخة ، ونائبة من نوائب الزمان فى برلمان الأمة –لا قدر الله- وماذا يصنع العلماء فى أناس طبع الله على قلوبهم وختم على أسماعهم وأعمى أبصارهم وأن الأزهر ورجاله العاملين مازالوا قائمين على الهدى ينادون بأعلى أصواتهم إلى الكتاب والسنة والعلم الصحيح ولكنهم أخر الزمان الموعود به صير المعروف منكرا والمنكر معروفا بل أمر بالمنكر ونهى عن المعروف كما جاء فى الحديث وتعلم الناس لغير الدين كهؤلاء الذين يريدون المرأة عضوا عاملا فى الأمة اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع وقلب لا يخشع ودعاء لا يسمع .

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة أبريل 19, 2024 2:17 pm