أهل السنة والجماعة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
أهل السنة والجماعة

موقع أهل السنة والجماعة ومذاهبهم الفقهية والعقائدية والرد على من خالفهم

  نرحب بكم بمنتدى أهل السنة والجماعة ، نرجو منكم الإنضمام إلى هذا المنتدى المبارك ، هدفنا من هذا المنتدى النصيحة لأنفسنا ولغيرنا ولسائر المسلمين وغير المسلمين بالحكمة والموعظة الحسنة ، الدين النصيحة لله ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم .

    درس في (( الدنيا الصالحة )) للعلامة المحدث الشيخ / عمران بن أحمد بن عمران السيوطي الشاذلي المالكي - المتوفي في سنة 1956 م رحمه الله .

    avatar
    حجة الحق


    عدد المساهمات : 51
    تاريخ التسجيل : 17/01/2010

    درس في (( الدنيا الصالحة )) للعلامة المحدث الشيخ / عمران بن أحمد بن عمران السيوطي  الشاذلي المالكي - المتوفي في سنة 1956 م  رحمه الله . Empty درس في (( الدنيا الصالحة )) للعلامة المحدث الشيخ / عمران بن أحمد بن عمران السيوطي الشاذلي المالكي - المتوفي في سنة 1956 م رحمه الله .

    مُساهمة  حجة الحق الأحد يناير 17, 2010 10:38 am

    الإرشادات الإسلامية
    الدرس الخامس
    الكلام على الدنيا الصالحة
    قد عرف الطالب وتبين له جليا من (الدرس الرابع) حيث سقنا هناك مما أفاض الله علينا ومما نقلناه أن الدنيا فتنة المؤمن وبلاؤه وأن طلبها قد يكون معه طلب الدار الآخرة التى هى مصيره ومقره " وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ " (سورة العنكبوت) وقد سبق فيه " أن الدنيا خمر الشيطان فمن سكر منه لم يفق إلا فى عسكر الموتى خاسرا نادما " وهذا الذى يؤيده الحس فإن الإسلام لم يصب فى هذه الأزمنة ألا من قبل الدنيا ولقد صدق رسول الله  إذا يقول : " ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تفتح عليكم الدنيا فتنافسوها فتهلككم كما أهلكت الذين من قبلكم " وأى هلاك وقد أصبح المؤمن اليوم يؤل القرآن على هواه ومراده ويذهب فيه إلى حيث يرضى الشيطان بل ويكذب الصحاح المتواترات من الأحاديث حيث يرى أنها لا توافق المذهب الأوربى لأنه انصبغ من صبغة الكافرين فأصبح يأنف من تعاليم الدين الإسلامى ولا يرجو الله ورسوله ولا الدار الآخرة لحظة من الدهر أبدا وأى هلاك للمسلم وقد أصبح الزى الإسلامى مزموما ممقوتا ، والزى الكفرى محبوبا مرضيا بل أصبح زعماء المسلمين منهم من يقول أن البلد لا يصلح له تعاليم القرآن والسنة ولا يصلح له إلا التقاليد الأوربية وأى هلاك وقد نقضت عرى الإسلام جملة حتى الصلاة اليوم والأمر لله وحده بل قد جاء أنه  وقد كشف له عن حال أهل الوقت وانغماسهم فى الترف فقال : " كيف بكم إذا غدا عليكم بصحفة وريح بأخر وسترت بيوتكم كما تستر الكعبة ؟! فقالوا إذن : نكفى العيش ونتفرغ للعبادة ، فقال أنتم الآن خير منكم يومئذ " .
    وصدق رسول الله  لأنهم فى ذلك الوقت كانوا أحرص الناس على دينهم بذلوا فى نصرته النفوس والنفيس ومن طالع سيرتهم وقرأ السنن الواردة عنهم عرف على اليقين أننا والله لسنا على دينهم الذى دانوا بهم على ربهم فإنهم كانوا أعوانا على الهدى ونحن أعوانا على الضلالة والدنيا أما ترى كيف استحب المسلم تبرج نسائه وتكشف فتياته للفتيان على الرغم من تحريم الله وسخطه وغضبه ورد العلماء وإنكارهم كأنه لا يدين بالإسلام ولا يهتدى إليه سبيلا فإن لله وإنا إليه راجعون ، أما ترى ما للأكابر من كبرياء ينازعون فيها الله رب العالمين حتى ظلت أحلام العلماء فى هديهم وأصبح التعليم يرشد إلى الكبرياء والتعاظم والتطاول على الأقران والتنافس فى طلب الحطام فترى الرجل المسلم يناهز الخمسين وربما بلغ الستين لا يدخل المسجد ولا يعرف الصلاة ولا يذكر الله قليلا ولا كثيرا ويرى الذكر عيبا وشينا ولا يصلى على من صلى الله عليه وسم وملائكته ولا يستغفر الله لأن هذا مناف لأخلاق الأكابر وعادات المدنية الحديثة والعلو الذى يبغيه أولئك الهالكون ولا يؤمن بكثير من عقائد المسلمين على أن أكثرهم يعاشر فتيات الأوربيين ( بالكونتراتو ) مدة إيجار معلومة حتى إذا انتهت تلك المدة تعاقد معها على مدة أخرى وأصبح هذا بين هذه الطبقة الراقية غير معيب ، أمسلم من يستحل الزنى وكيف ينصر الله أمة يستحل الزنى كبارها ووالله إن هؤلاء كما يظهر من أحوالهم ما هم ألا دهريون لا يؤمنون بالله ولا رسوله أتدرى ما السبب العامل فى هذا كله : العامل فى هذا الانغماس فى الترف والغنى :
    " كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى (6) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى (7) " (سورة العلق) .
    " وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ (34) " (سورة سبأ) .
    " وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً (16) " (سورة الإسراء) .
    فدل القرآن على أن أصل بلاء الأمم وإهلاكهم من المترفين وأن المترفين هم أول من عاند الله وكذب الرسل : أما هذا كله سببه الدنيا التى جاءت الأحاديث الكثيرة ووردت الآيات بذمها وإذا عرفت ذلك فلا يفوتنك أن تعرف الدنيا الصالحة فإن الدنيا مزرعة الآخرة وقنطرة العبور إليها ولا يجعلنك هذا تترك الدنيا مرة وتعدل عن أخذ نصيبك منها لأن نصيبك منها أنت مأمور بأخذه سواء أكان المال الصالح أم العمل الصالح فإن العمل الصالح لا يتأتى إلا بالدنيا أبدا وكما جاءت الأحاديث بذم الدنيا جاءت بمدحها وطلبها فقد جاء أن رسول الله  قال : " نعم المال الصالح للرجل الصالح " .
    وقال : " نعمت الدنيا لمن تذود منها لآخرته " ، وقال : " كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت " .
    وقال : " من بات كالا من طلب الحلال بات مغفورا له " .
    وقال : " لئن يأخذ أحدكم حبلا فيحتطب به خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه " .
    وقال : " التاجر الصدوق مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين " .
    وقد طرد أمير المؤمنين عثمان ابن عفان أبا ذر الغفارى لما كان يقرأ على الناس دروس الزهد وينهاهم على طلب الدنيا وقال له هذا يعطل الأمة عن مقصودها ويؤخرها ومعلوم أن الإسلام لا ينشر إلا بالدنيا ولا يسود إلا بالدنيا ولا ينصر إلا بالدنيا فالدنيا عنصر العز والسعادة والنصر والإسلام والمسلمون إذا مزجت بتقوى الله وتناولتها الآمة بيد الشرع الشريف عرف الله فيهم وشكر عليهم وأمسكها صاحبها على حذر من فتنتها .
    أما ما نحن عليه اليوم من التكاثر والتفاخر والتطاول والتظاهر فقد أنسى الأمة الله والدار الآخرة فلم تقم للدين وزنا ولم تنظر للزوال ولم تؤمن بالموت مع ما ترى من ذهاب الجميع إلى المقابر بل لم تؤمن بحساب الآخرة والعرض على ديان يوم الدين حتى أصبح من يؤمن منهم يرى الأمر من السهل الهين ويرى الشريعة عجرفة والتقاليد الإسلامية منقصة ، كل هذا حيث لم نأخذ الدنيا من يد المعطى الحكيم الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ، إنما أخذنها باجتهادنا وتناولناها بمعرفتنا كما قال قارون " إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ " (سورة القصص) فقال له الحق : " أَوَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً " (سورة القصص) . ولو أننا طلبناها للعون على عباده هذا الإله القائل : " وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56) " (سورة الذاريات) وأخذناها على أنها من عطائها ومن فضله ورأينا لزاما القيام بشكرها وأننا لا نصرفها إلا فيما يحب من أنعم بها لما سمحت نفس المؤمن أن يشرب بها إلا ما يرضيه ولا يأكل ولا يلبس ولا يركب ولا يتحرك إلا فى رضاه إذ العقل لا يجيز أن يحارب الله بنعمه وفى الحديث : " أحسنوا جوار نعم الله فقلما زالت عن قوم فعادت إليهم " وفى الحديث أيضا : " لا تزول قدم عبدى من بين يدى الله حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله فيما أنفقه ومن أين اكتسبه وعن علمه فيما عمل به " .
    ألا فلينظر العاقل كيف حاله إذا سأله الجبار يوم العرض على النار عن هذه الأربعة ، عبدى إنى خلقتك بيدى ونفخت فيك من روحى ، ووهبتك عمرا مقداره كذا وكذا من السنين أمتعك بفضلى وأسرحك فى مملكتى وأمكنك فى أرضى وأظلك بسمائى وأسقيك من مائى ، وأنفسك فى هوائى وأملكك وأحكمك فى خلقى " أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ (73) " (سورة يس) .
    " وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72) " (سورة النحل) .
    عبدى قد جئتنى كما ولدتك أمك وحيدا فريدا لا تملك شيئا وليس لك من دونى ولى ولا نصير ، فماذا عملت لهذا اليوم فى تلك الأيام المديدة والسنين الطويلة وقد غذيتك بنعمتى وسترتك بفضلى وأظللتك بكنفى وصرفتك فى مالى وطلبت منك أن تصلى لوجهى ركيعات تعترف بها بربوبيتى تأدية لواجب شكرى وأعذرت إليك على لسان رسولى ، فماذا عملت فى أيام هذا العمر الطويل على أنى ألعت الشيب فى مفرقك وأشعلته فى فوديك ، وجهك نذيرا بالرحيل وقد أمهلتك طيلة العمر وانتظرت وجوعك إلى يا عبدى وأنت ترتع فى نعمتى كما ترتع بهيمتك فى كلأها ، فما يكون الجواب إذا أنت قد أضعت العمر فى لهوك ولعبك ولم تقدم لهذا اليوم ما يخلصك من شدته ودهشته ، وبأى لسان تجيب إذا سئلت عن الشباب وقد ضيعته فى محاربة الله ورسوله وملأت الأرض خطايا ، وكان من واجب الشكر أن تقدم قوتك وشبابك فى صفوف المخبتين وجموع المنيبين وحلقات الذاكرين وقد ناداك ألف نداء ، وأنذرتك غدا وكم نجاك من ألف ردى ، كما أجدى من الجدا وأنت لا زلت فى مصاف العدا ، أيصح أن تبلى نضارة الشباب فى الألعاب ، وسماع الرباب ومحرم الشراب ، بالغفلة ونسيان الحساب ، أما كان الأليق والعمر قصير أنت تبادر بالتشمير فى طاعة العلى الكبير وخوف الحساب العسير ، يوم ينعدم النصير وتستعر السعير ، وكيف يكون الحال إذا سئلت عن المال ولم تجمعه من حلال من أين اكتسبته وفيم أنفقته وقد جمعته من الحرام وأنفقته فى وجوه الآثام ولم ترقب الملك العلام ، وماذا تصنع وقد علمت أن الله موجود ن وأنه ربك المنفرد بالسلطان والقدرة والغنى والجود ، وانه أرسل الرسول وقد جاء عنه بكتاب مبين يدعوك فيه لذكره ويأمرك بالصلاة والصيام والزكاة ومكارم الدين ، وقد جئته عاصيا خاليا من طاعته لم تطع له أمرا ولم تسمع له زجرا ، فبأى عقل عقلت ، وبأى سمع سمعت " كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) " (سورة المطففين) فمن كان هذا حاله فهو بلا شك من الهالكين وهذا شأن من استعمل نعم الله فى غير ما خلقت له فإن الله ما أوجد المال إلا للعون على طاعته يقول تعالى " أنا أقوم بقسمتك وأنت تقوم بخدمتى " فالرغيف مثلا لإقامة الصلب ليعبد العبد ربه وكذلك الماء واللبن واللحم والثوب وكل ما كان من راحة للعبد فى حياته فإنه وارد من عين الجود لهذا الغرض فقط فإذا أكل أو شرب ثم عصى الله مثلا فقد عصى الله بنعمته واستوجب زوال النعمة فى الدنيا والعقوبة فى الأخرى وكذلك الدراهم وكذلك الجاه ، فإن هذا كله من نعيم الدنيا فمن صرفه فى غير ما هو له فقد عرضه للزوال واستوجب العقاب والنكال ولله در من قال :
    إذا كنت فى نعمة فارعها
    وداوم عليها بشكر الإله
    فإن المعاصى تزيل النعم
    فإن الإله سريع النقم

    وإذا عرفت هذا كله عرفت الدنيا التى ورد ذمها والذم فى الواقع على أصحابها لا عليها وإلا فما ذنب النعمة المرسلة من حضرة الإحسان لعبيده الذين ليس لهم إلا فضله وكرمه فإن المال الذى يطلق عليه اسم الدنيا المشار إليه بقوله تعالى " زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ المُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ المَآبِ (14) " (سورة آل عمران) هو كرامة الله التى تطلبها كل نفس لحاجتها الحيوية لأن حياتهم موقوفة على ذلك مرهون وجودها بوجود هذه الأشياء ولا غنى لهم عنها والحق تفضلا وإحسانا يرسل إليهم هذه الكرامات مدى المدى لا يغيض عطاؤه ولا ينقص فضله ولو أنه تركهم وشأنهم لهلكوا فورا بيقين ، فليس الدينار والدرهم بموضع سخط الله وغضبه أبدا بل هما من تحفه ومنحه وفى الحديث : " الدنانير والدراهم خواتيم الله فى أرضه من جاء منها بخاتم مولاه قضيت حاجته " وفى حديث مسلم يقول رسول الله  : " أفضل الدنانير دينار ينفقه الرجل على عياله ودينار ينفقه الرجل على دابته فى سبيل الله ودينار ينفقه الرجل على أصحابه فى سبيل الله عز وجل " بل وليس الغرس والزرع معصية يعاقب عليها المرء بل طاعة يدخل بها الجنة إن راع حق الله وحق عباده وقصد بذلك وجه الله وكذلك جميع الحرف والمهن التى بزوالها الخلق ليست إلا من المأمورات لأنها واجبة على الكفاية شرعا ومعلوم أن الواجبات يعاقب على تركها ويثاب على فعلها فكيف ينهى عنها وهى مأمور بها إذا فلعلم أن قوله  : " الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالما أو متعلما " منصب على أصحابها الغافلين لا عليها الذين لهوا بها عن ذكر الله وطاعته ونسوا الله فأنساهم أنفسهم وأولئك هم الفاسقون الذين لم يقفوا عند تحريم أو تحليل فى جمع وإدخار وأثروها على الآخرة اتخذوها بينهم لهوا ولعبا وزينة وتفاخر فى الأموال والأولاد فهى إذا قنطرة العبور إما إلى الجنة وإما إلى النار فإن قلنا الدنيا ملعونة فحق من حيث الغفلة بها وإن قلنا نعمة الدنيا لمن تزود منها لآخرته أو نعمة المال الصالح للرجل الصالح فحق من حيث أنها للمتزودين للآخرة ومن حيث أن المال للرجل الصالح وقد كان لكثير من سادتنا السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين ثروات طائلة وما كانوا يدخرونها لذاتها بل عونا على الدين عونا على الآخرة ولو أنك نظرت إلى هذا الذى قال له بعض أخوانه الصالحين هلم بنا إلى الوقوف بعرفة وكان يحرث أرضا له ليزرعها فأبى وقال لا أنقض عبادة بعبادة عرفت أن الدنيا فى أيدى الصالحين عبادة وآخرة إذ لا فرق عندهم بين قيام الليل أو صوم النهار والاشتغال بكسب درهم أو رغيف بل هذا أهم لأن اللقمة أصل العبادة " من أكل الحلال أطاع الله شاء أو أباء ومن أكل الحرام عصى الله شاء أو أبى " .
    بل لو نظرت إلى عثمان بن عفان وقد انخلع لرسول الله  من ماله ثلاث مرات حيث أنفق ماله فى سبيل الله اشترى بئر رومة بعشرين ألفا وسبلها وجهز جيش العسرة بسبعمائة وخمسين بعيرا وخمسين فرسا فقال النبى  ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم مرتين ، بل روى أنه جاء إلى النبى  بألف دينار حين جهز جيش العسرة فنثرها فى حجره فجعل رسول الله  يقلبها ويقول ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم مرتين ولو وقفت على ما كان لعبد الرحمن بن عوف لامتلأت عجبا فقد ورد أن ورثته كانوا يقلعون ما عنده من الذهب فيكسرونه بالفؤس وكان له أربع زوجات يشتركن فى ثمن ماله خص كل واحدة منهن من الثمن ثمانون ألفا بل قيل أن الواحدة صولحت على مائة ألف وأوصى بألف فرس وخمسين ألف دينار فى سبيل الله وأوصى بحديقة لأمهات المؤمنين رضى الله عنهن بيعت بأربعمائة ألف وأوصى لمن بقى من أهل بدر لكل رجل بأربعمائة دينار وكان منهم عثمان وكان هذا غير صدقاته الأخرى وعطاياه فقد أعتق يوما ثلاثين عبدا وتصدق مرة بعير تحمل المسيرة عددها سبعمائة بعير أرسلها للتجارة فجاءت تحمل من كل شئ فتصدق بها وبما عليها وورد أنه تصدق مرة بشطر ماله فبلغ الشطر أربعة آلاف ثم تصدق بأربعين ألفا ثم بأربعين ألفا دينار ثم بخمسمائة فرس ثم بخمسمائة راحلة ، فإذا نظرت إلى هؤلاء البررة عرفت أن المال الصالح قنطرة يعبر منها إلى الآخرة إلى الدرجات العلى " ذهب أهل الدثور بالأجور " وعرفت أن الدنيا الصالحة نعم العون على الدين ولذا ذهب كثير من أهل العلم إلى إن الغنى الشاكر أفضل من الفقير الصابر حتى قال فقهاء الأندلس من يقول أن رسول الله  كان فقيرا تقطع رقبته وما أفسد أولئك الذين أفرطوا فى الإعراض عن الله والدار الآخرة إلا لأن مقاصدهم ضلت فى اتخاذ هذا المال والله يرشد الجميع لما فيه فلاحهم يهديهم إلى صراطه المستقيم .
    إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد أبريل 28, 2024 5:03 am