ما جاء في قول الله عز وجل الرحمن على العرش استوى
ما جاء في قول الله عز وجل : {الرحمن على العرش استوى}.
وقوله عز وجل : {ثم استوى على العرش}.
وقال تعالى : {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش}.
وقال جَلَّ وعلا : {الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش} .
864- أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْهَرَوِيُّ ، بِالرَّمْلَةِ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي إِيَاسَ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ ، عَنْ وَكِيعِ بْنِ حُدُسٍ ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ؟ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَانَ فِي عَمَاءٍ ، مَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ وَمَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ ، ثُمَّ خَلَقَ الْعَرْشَ ، ثُمَّ اسْتَوَى عَلَيْهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ مَضَى الْكَلامُ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ دُونَ الاسْتِوَاءِ ، فَأَمَّا الاسْتِوَاءُ : فَالْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا لا يُفَسِّرُونَهُ وَلا يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ كَنَحْوِ مَذْهَبِهِمْ فِي أَمْثَالِ ذَلِكَ
865- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، قال : أخبرني أبو عبد الله محمد بن علي الجوهري ببغداد ، حَدَّثَنَا إبراهيم بن الهيثم ، حَدَّثَنَا محمد بن كثير المصيصي ، قال : سمعت الأوزاعي ، يقول : كنا والتابعون متوافرون نقول : إن الله تعالى ذكره فوق عرشه ، ونؤمن بما وردت السنة به من صفاته جل وعلا
866- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرني أحمد بن محمد بن إسماعيل بن مهران ، حَدَّثَنَا أبي ، حدثنا أبو الربيع ابن أخي رشدين بن سعد قال : سمعت عبد الله بن وهب ، يقول : كنا عند مالك بن أنس فدخل رجل ، فقال : يا أبا عبد الله {الرحمن على
العرش استوى} كيف استواؤه ؟ قال : فأطرق مالك وأخذته الرحضاء} ثم رفع رأسه فقال : {الرحمن على العرش استوى} كما وصف نفسه ، ولا يقال : كيف ، وكيف عنه مرفوع ، وأنت رجل سوء صاحب بدعة ، أخرجوه . قال : فأخرج الرجل
867- أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن الحارث الفقيه الأصفهاني ، أَخْبَرَنَا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان المعروف بأبي الشيخ ، حَدَّثَنَا أبو جعفر أحمد بن زيرك اليزدي ، سمعت محمد بن عمرو بن النضر النيسابوري ، يقول : سمعت يحيى بن يحيى ، يقول : كنا عند مالك بن أنس فجاء رجل فقال : يا أبا عبد الله {الرحمن على العرش استوى} فكيف استوى ؟ قال : فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرحضاء ثم قال : الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ، وما أراك إلا مبتدعا . فأمر به أن يخرج
وروي في ذلك أيضا عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أستاذ مالك بن أنس رضي الله تعالى عنهما.
868- أخبرنا أبو بكر بن الحارث ، أَخْبَرَنَا أبو الشيخ ، حَدَّثَنَا محمد بن أحمد بن معدان ، حَدَّثَنَا أحمد بن مهدي ، حَدَّثَنَا موسى بن خاقان ، حَدَّثَنَا عبد الله بن صالح بن مسلم ، قال : سئل ربيعة الرأي عن قول الله تبارك وتعالى : الرحمن على العرش استوى كيف استوى ؟ قال : الكيف مجهول ، والاستواء غير معقول ، ويجب علي وعليكم الإيمان بذلك كله
869- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرني محمد بن يزيد ، سمعت أبا يحيى البزاز ، يقول : سمعت العباس بن حمزة ، يقول : سمعت أحمد بن أبي الحواري ، يقول : سمعت سفيان بن عيينة ، يقول : كل ما وصف الله تعالى من نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته ، والسكوت عليه .
870- أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ، قال : هذه نسخة الكتاب الذي أملاه الشيخ أبو بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب في مذهب أهل السنة فيما جرى بين محمد بن إسحاق بن خزيمة وبين أصحابه ، فذكرها وذكر فيها : {الرحمن على العرش استوى} بلا كيف ، والآثار عن السلف في مثل هذا كثيرة وعلى هذه الطريق يدل مذهب الشافعي رضي الله عنه ، وإليها ذهب أحمد بن حنبل والحسين بن الفضل البجلي . ومن المتأخرين أبو سليمان الخطابي . وذهب أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري إلى أن الله تعالى جل ثناؤه فعل في العرش فعلا سماه استواء ، كما فعل في غيره فعلا سماه رزقا أو نعمة أو غيرهما من أفعاله . ثم لم يكيف الاستواء إلا أنه جعله من صفات الفعل لقوله : {الرحمن على العرش استوى} وثم للتراخي ، والتراخي إنما يكون في الأفعال ، وأفعال الله تعالى توجد بلا مباشرة منه إياها ولا حركة . وذهب أبو الحسن علي بن محمد بن مهدي الطبري في آخرين من أهل النظر إلى أن الله تعالى في السماء فوق كل شيء مستو على عرشه بمعنى أنه عال عليه ، ومعنى الاستواء : الاعتلاء ، كما يقول : استويت على ظهر الدابة ، واستويت على السطح . بمعنى علوته ، واستوت الشمس على رأسي ، واستوى الطير على قمة رأسي ، بمعنى علا في الجو ، فوجد فوق رأسي . والقديم سبحانه عال على عرشه لا قاعد ولا قائم ولا مماس ولا مباين عن العرش ، يريد به : مباينة الذات التي هي بمعنى الاعتزال أو التباعد ، لأن المماسة والمباينة التي هي ضدها ، والقيام والقعود من أوصاف الأجسام ، والله عز وجل أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، فلا يجوز عليه ما يجوز على الأجسام تبارك وتعالى . وحكى الأستاذ أبو بكر بن فورك هذه الطريقة عن بعض أصحابنا أنه قال : استوى بمعنى : علا ، ثم قال : ولا يريد بذلك علوا بالمسافة والتحيز والكون في مكان متمكنا فيه ، ولكن يريد معنى قول الله عز وجل : {أأمنتم من في السماء} أي : من فوقها على معنى نفي الحد عنه ، وأنه ليس مما يحويه طبق أو يحيط به قطر ، ووصف الله سبحانه وتعالى بذلك بطريقة الخبر ، فلا نتعدى ما ورد به الخبر . قلت : وهو على هذه الطريقة من صفات الذات ، وكلمة ثم تعلقت بالمستوى عليه ، لا بالاستواء ، وهو كقوله : {ثم الله شهيد على ما يفعلون} يعني : ثم يكون عملهم فيشهده ، وقد أشار أبو الحسن علي بن إسماعيل إلى هذه الطريقة حكاية ، فقال : وقال بعض أصحابنا : إنه صفة ذات ، ولا يقال : لم يزل مستويا على عرشه ، كما أن العلم بأن الأشياء قد حدثت من صفات الذات ، ولا يقال : لم يزل عالما بأن قد حدثت ، ولما حدثت بعد ، قال : وجوابي هو الأول وهو أن الله مستو على عرشه وأنه فوق الأشياء بائن منها ، بمعنى أنها لا تحله ولا يحلها ، ولا يمسها ولا يشبهها ، وليست البينونة بالعزلة تعالى الله ربنا عن الحلول والمماسة علوا كبيرا . قال : وقد قال بعض أصحابنا : إن الاستواء صفة الله تعالى تنفي الاعوجاج عنه ، وفيما كتب إلي الأستاذ أبو منصور بن أبي أيوب أن كثيرا من متأخري أصحابنا ذهبوا إلى أن الاستواء هو القهر والغلبة ، ومعناه أن الرحمن غلب العرش وقهره ، وفائدته الإخبار عن قهره مملوكاته ، وأنها لم تقهره ، وإنما خص العرش بالذكر لأنه أعظم المملوكات ، فنبه بالأعلى على الأدنى ، قال : والاستواء بمعنى القهر والغلبة شائع في اللغة ، كما يقال : استوى فلان على الناحية إذا غلب أهلها ، وقال الشاعر في بشر بن مروان : قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق
يريد : أنه غلب أهله من غير محاربة . قال : وليس ذلك في الآية بمعنى الاستيلاء ، لأن الاستيلاء غلبة مع توقع ضعف ، قال : ومما يؤيد ما قلناه قوله عز وجل : {ثم استوى إلى السماء وهي دخان} والاستواء إلى السماء هو القصد إلى خلق السماء ، فلما جاز أن يكون القصد إلى السماء استواء جاز أن تكون القدرة على العرش استواء . أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، ومحمد بن موسى ، قالا : حَدَّثَنَا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حَدَّثَنَا محمد بن الجهم ، حَدَّثَنَا يحيى بن زياد الفراء في قوله عز وجل : {ثم استوى إلى السماء فسواهن} قال : الاستواء في كلام العرب على جهتين : إحداهما : أن يستوي الرجل وينتهي شبابه وقوته ، أو يستوي من اعوجاج ، فهذان وجهان ؛ ووجه ثالث أن تقول : كان مقبلا على فلان ثم استوى علي يشاتمني وإلي سواء ، على معنى أقبل إلي وعلي ، فهذا معنى قوله : استوى إلى السماء والله أعلم . قال : وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما : ثم استوى صعد وهذا كقولك للرجل : كان قاعدا فاستوى قائما ، أو كان قائما فاستوى قاعدا ، وكل في كلام العرب جائز . قلت : قوله : استوى بمعنى أقبل صحيح ، لأن الإقبال هو القصد إلى خلق السماء ، والقصد هو الإرادة وذلك هو الجائز في صفات الله تعالى . ولفظ ثم تعلق بالخلق لا بالإرادة . وأما ما حكي عن ابن عباس رضي الله عنهما فإنما أخذه عن تفسيره الكلبي ، والكلبي ضعيف ، والرواية عنه عندنا في أحد الموضعين كما ذكره الفراء
872- وفي موضع أخر كما أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن محبور ، أَخْبَرَنَا الحسين بن محمد بن هارون ، أَخْبَرَنَا أحمد بن محمد بن نصر ، حَدَّثَنَا يوسف بن بلال ، عن محمد بن مروان ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما في قوله : {ثم استوى إلى السماء} يعني : صعد أمره إلى السماء {فسواهن} يعني : خلق سبع سماوات . قال : أجرى النار على الماء يعني فبخر البحر فصعد في الهواء فجعل السماوات منه . ويذكر عن أبي العالية في هذه الآية أنه قال : استوى يعني : ارتفع . ومراده بذلك والله أعلم : ارتفاع أمره ، وهو بخار الماء الذي منه وقع خلق السماء
873- فأما ما أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن محبور الدهان ، أَخْبَرَنَا الحسين بن محمد بن هارون ، أَخْبَرَنَا أحمد بن محمد بن محمد بن نصر اللباد ، حَدَّثَنَا يوسف بن بلال ، عن محمد بن مروان عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما في قوله : {ثم استوى على العرش} يقول : استقر على العرش ، ويقال امتلأ به ، ويقال : قائم على العرش ، وهو السرير
__________
الأعراف آية رقم : 54
841- وبهذا الإسناد في موضع آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله} {ثم استوى على العرش} يقول : استوى عنده الخلائق ، القريب والبعيد ، وصاروا عنده سواء ويقال : استوى استقر على السرير . ويقال : امتلأ به . فهذه الرواية منكرة ، وإنما أضاف في الموضع الثاني القول الأول إلى ابن عباس رضي الله عنهما دون ما بعده ، وفيه أيضا ركاكة ، ومثله لا
يليق بقول ابن عباس رضي الله عنهما ، إذا كان الاستواء بمعنى استواء الخلائق عنده ، فإيش المعنى في قوله : {على العرش} ؟ وكأنه مع سائر الأقاويل فيها من جهة من دونه ، وقد قال في موضع آخر بهذا الإسناد استوى على العرش يقول : استقر أمره على السرير ، ورد الاستقرار إلى الأمر ، وأبو صالح هذا والكلبي ومحمد بن مروان كلهم متروك عند أهل العلم بالحديث ، لا يحتجون بشيء من رواياتهم لكثرة المناكير فيها ، وظهور الكذب منهم في رواياتهم .
874- أخبرنا أبو سعد أحمد بن محمد الماليني ، أَخْبَرَنَا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ ، حَدَّثَنَا محمد بن يوسف بن عاصم البخاري ، حَدَّثَنَا عبد الله بن محمد الزهري ، حَدَّثَنَا سفيان ، عن محمد بن قيس ، عن حبيب بن أبي ثابت ، قال : كنا نسميه دروغ زن ، يعني أبا صالح مولى أم هانئ
875- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أَخْبَرَنَا أبو بكر الحفيد ، حَدَّثَنَا هارون بن عبد الصمد ، حَدَّثَنَا علي بن المديني ، قال : سمعت يحيى بن سعيد القطان ، يحدث عن سفيان ، قال : قال الكلبي : قال لي أبو صالح : كل ما حدثتك كذب
876- أخبرنا أبو سعد الماليني ، حَدَّثَنَا أبو أحمد بن عدي ، حَدَّثَنَا أحمد بن حفص ، حَدَّثَنَا أبو حفص الفلاس ، حَدَّثَنَا أبو عاصم ، عن سفيان ، عن الكلبي ، قال : قال لي أبو صالح : انظر كل شيء رويت عني عن ابن عباس رضي الله عنهما ، فلا تروه . قال : وأخبرنا أبو أحمد قال : سمعت عبدان يقول : سمعت زيد بن الحريش يقول : سمعت أبا معاوية يقول : قلنا للكلبي : بين لنا ما سمعت من أبي صالح وما هو قولك ، فإذا الأمر عنده قليل . قال : وأخبرنا أبو أحمد ، حَدَّثَنَا الجنيدي ، حَدَّثَنَا البخاري قال : محمد بن السائب أبو النضر الكلبي الكوفي تركه يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي
877- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، قال : سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب يقول : سمعت العباس بن محمد ، يقول : سمعت يحيى بن معين ، يقول : الكلبي ليس بشيء
878- أخبرنا أبو سهل أحمد بن محمد بن إبراهيم بن مهران المزكي ، حَدَّثَنَا أبو الحسين محمد بن أحمد بن حامد العطار ، أخبرني أبو عبد الله الراوساني ، قال : سمعت محمد بن إسماعيل البخاري ، يقول : محمد بن مروان الكوفي صاحب الكلبي سكتوا عنه ، لا يكتب حديثه البتة قلت : وكيف يجوز أن يكون مثل هذه الأقاويل صحيحة عن ابن عباس رضي الله عنهما ، ثم لا يرويها ولا يعرفها أحد من أصحابه الثقات الأثبات ، مع شدة الحاجة إلى معرفتها ، وما تفرد به الكلبي وأمثاله يوجب الحد ، والحد يوجب الحدث لحاجة الحد إلى حاد خصه به ، والباري قديم لم يزل .
879- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، قال : سمعت أبا نصر أحمد بن سهل الفقيه وأبا صالح خلف بن محمد يقولان : سمعنا صالح بن محمد ، يقول : سمعت أبا عبد الله محمد بن زياد الأعرابي صاحب النحو يقول : قال لي أحمد بن أبي دؤاد : يا أبا عبد الله ، يصح هذا في اللغة ، ومخرج الكلام الرحمن علا من العلو ، والعرش استوى ؟ قال : قلت : يجوز على معنى ، ولا يجوز على معنى ، إذا قلت : الرحمن علا من العلو ، فقد تم الكلام ، ثم قلت : العرش استوى . يجوز إن رفعت العرش ، لأنه فاعل ، ولكن إذا قلت : له ما في السماوات وما في الأرض ، فهو العرش . وهذا كفر وفيما روى أبو الحسن بن مهدي الطبري ، عن أبي عبد الله نفطويه قال : أخبرني أبو سليمان يعني داود قال : كنا عند ابن الأعرابي فأتاه رجل فقال : يا أبا عبد الله ، ما معنى قوله : {الرحمن على العرش استوى} فقال : إنه مستو على عرشه كما أخبر . فقال الرجل : إنما معنى قوله : {استوى} أي : استولى . فقال له ابن الأعرابي : ما يدريك ؟ العرب لا تقول استولى على العرش فلان ، حتى يكون له فيه مضاد ، فأيهما غلب قيل : قد استولى عليه ، والله تعالى لا مضاد له فهو على عرشه كما أخبر
ما جاء في قول الله عز وجل : {الرحمن على العرش استوى}.
وقوله عز وجل : {ثم استوى على العرش}.
وقال تعالى : {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش}.
وقال جَلَّ وعلا : {الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش} .
864- أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْهَرَوِيُّ ، بِالرَّمْلَةِ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي إِيَاسَ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ ، عَنْ وَكِيعِ بْنِ حُدُسٍ ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ؟ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَانَ فِي عَمَاءٍ ، مَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ وَمَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ ، ثُمَّ خَلَقَ الْعَرْشَ ، ثُمَّ اسْتَوَى عَلَيْهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ مَضَى الْكَلامُ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ دُونَ الاسْتِوَاءِ ، فَأَمَّا الاسْتِوَاءُ : فَالْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا لا يُفَسِّرُونَهُ وَلا يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ كَنَحْوِ مَذْهَبِهِمْ فِي أَمْثَالِ ذَلِكَ
865- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، قال : أخبرني أبو عبد الله محمد بن علي الجوهري ببغداد ، حَدَّثَنَا إبراهيم بن الهيثم ، حَدَّثَنَا محمد بن كثير المصيصي ، قال : سمعت الأوزاعي ، يقول : كنا والتابعون متوافرون نقول : إن الله تعالى ذكره فوق عرشه ، ونؤمن بما وردت السنة به من صفاته جل وعلا
866- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرني أحمد بن محمد بن إسماعيل بن مهران ، حَدَّثَنَا أبي ، حدثنا أبو الربيع ابن أخي رشدين بن سعد قال : سمعت عبد الله بن وهب ، يقول : كنا عند مالك بن أنس فدخل رجل ، فقال : يا أبا عبد الله {الرحمن على
العرش استوى} كيف استواؤه ؟ قال : فأطرق مالك وأخذته الرحضاء} ثم رفع رأسه فقال : {الرحمن على العرش استوى} كما وصف نفسه ، ولا يقال : كيف ، وكيف عنه مرفوع ، وأنت رجل سوء صاحب بدعة ، أخرجوه . قال : فأخرج الرجل
867- أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن الحارث الفقيه الأصفهاني ، أَخْبَرَنَا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان المعروف بأبي الشيخ ، حَدَّثَنَا أبو جعفر أحمد بن زيرك اليزدي ، سمعت محمد بن عمرو بن النضر النيسابوري ، يقول : سمعت يحيى بن يحيى ، يقول : كنا عند مالك بن أنس فجاء رجل فقال : يا أبا عبد الله {الرحمن على العرش استوى} فكيف استوى ؟ قال : فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرحضاء ثم قال : الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ، وما أراك إلا مبتدعا . فأمر به أن يخرج
وروي في ذلك أيضا عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أستاذ مالك بن أنس رضي الله تعالى عنهما.
868- أخبرنا أبو بكر بن الحارث ، أَخْبَرَنَا أبو الشيخ ، حَدَّثَنَا محمد بن أحمد بن معدان ، حَدَّثَنَا أحمد بن مهدي ، حَدَّثَنَا موسى بن خاقان ، حَدَّثَنَا عبد الله بن صالح بن مسلم ، قال : سئل ربيعة الرأي عن قول الله تبارك وتعالى : الرحمن على العرش استوى كيف استوى ؟ قال : الكيف مجهول ، والاستواء غير معقول ، ويجب علي وعليكم الإيمان بذلك كله
869- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرني محمد بن يزيد ، سمعت أبا يحيى البزاز ، يقول : سمعت العباس بن حمزة ، يقول : سمعت أحمد بن أبي الحواري ، يقول : سمعت سفيان بن عيينة ، يقول : كل ما وصف الله تعالى من نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته ، والسكوت عليه .
870- أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ، قال : هذه نسخة الكتاب الذي أملاه الشيخ أبو بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب في مذهب أهل السنة فيما جرى بين محمد بن إسحاق بن خزيمة وبين أصحابه ، فذكرها وذكر فيها : {الرحمن على العرش استوى} بلا كيف ، والآثار عن السلف في مثل هذا كثيرة وعلى هذه الطريق يدل مذهب الشافعي رضي الله عنه ، وإليها ذهب أحمد بن حنبل والحسين بن الفضل البجلي . ومن المتأخرين أبو سليمان الخطابي . وذهب أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري إلى أن الله تعالى جل ثناؤه فعل في العرش فعلا سماه استواء ، كما فعل في غيره فعلا سماه رزقا أو نعمة أو غيرهما من أفعاله . ثم لم يكيف الاستواء إلا أنه جعله من صفات الفعل لقوله : {الرحمن على العرش استوى} وثم للتراخي ، والتراخي إنما يكون في الأفعال ، وأفعال الله تعالى توجد بلا مباشرة منه إياها ولا حركة . وذهب أبو الحسن علي بن محمد بن مهدي الطبري في آخرين من أهل النظر إلى أن الله تعالى في السماء فوق كل شيء مستو على عرشه بمعنى أنه عال عليه ، ومعنى الاستواء : الاعتلاء ، كما يقول : استويت على ظهر الدابة ، واستويت على السطح . بمعنى علوته ، واستوت الشمس على رأسي ، واستوى الطير على قمة رأسي ، بمعنى علا في الجو ، فوجد فوق رأسي . والقديم سبحانه عال على عرشه لا قاعد ولا قائم ولا مماس ولا مباين عن العرش ، يريد به : مباينة الذات التي هي بمعنى الاعتزال أو التباعد ، لأن المماسة والمباينة التي هي ضدها ، والقيام والقعود من أوصاف الأجسام ، والله عز وجل أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، فلا يجوز عليه ما يجوز على الأجسام تبارك وتعالى . وحكى الأستاذ أبو بكر بن فورك هذه الطريقة عن بعض أصحابنا أنه قال : استوى بمعنى : علا ، ثم قال : ولا يريد بذلك علوا بالمسافة والتحيز والكون في مكان متمكنا فيه ، ولكن يريد معنى قول الله عز وجل : {أأمنتم من في السماء} أي : من فوقها على معنى نفي الحد عنه ، وأنه ليس مما يحويه طبق أو يحيط به قطر ، ووصف الله سبحانه وتعالى بذلك بطريقة الخبر ، فلا نتعدى ما ورد به الخبر . قلت : وهو على هذه الطريقة من صفات الذات ، وكلمة ثم تعلقت بالمستوى عليه ، لا بالاستواء ، وهو كقوله : {ثم الله شهيد على ما يفعلون} يعني : ثم يكون عملهم فيشهده ، وقد أشار أبو الحسن علي بن إسماعيل إلى هذه الطريقة حكاية ، فقال : وقال بعض أصحابنا : إنه صفة ذات ، ولا يقال : لم يزل مستويا على عرشه ، كما أن العلم بأن الأشياء قد حدثت من صفات الذات ، ولا يقال : لم يزل عالما بأن قد حدثت ، ولما حدثت بعد ، قال : وجوابي هو الأول وهو أن الله مستو على عرشه وأنه فوق الأشياء بائن منها ، بمعنى أنها لا تحله ولا يحلها ، ولا يمسها ولا يشبهها ، وليست البينونة بالعزلة تعالى الله ربنا عن الحلول والمماسة علوا كبيرا . قال : وقد قال بعض أصحابنا : إن الاستواء صفة الله تعالى تنفي الاعوجاج عنه ، وفيما كتب إلي الأستاذ أبو منصور بن أبي أيوب أن كثيرا من متأخري أصحابنا ذهبوا إلى أن الاستواء هو القهر والغلبة ، ومعناه أن الرحمن غلب العرش وقهره ، وفائدته الإخبار عن قهره مملوكاته ، وأنها لم تقهره ، وإنما خص العرش بالذكر لأنه أعظم المملوكات ، فنبه بالأعلى على الأدنى ، قال : والاستواء بمعنى القهر والغلبة شائع في اللغة ، كما يقال : استوى فلان على الناحية إذا غلب أهلها ، وقال الشاعر في بشر بن مروان : قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق
يريد : أنه غلب أهله من غير محاربة . قال : وليس ذلك في الآية بمعنى الاستيلاء ، لأن الاستيلاء غلبة مع توقع ضعف ، قال : ومما يؤيد ما قلناه قوله عز وجل : {ثم استوى إلى السماء وهي دخان} والاستواء إلى السماء هو القصد إلى خلق السماء ، فلما جاز أن يكون القصد إلى السماء استواء جاز أن تكون القدرة على العرش استواء . أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، ومحمد بن موسى ، قالا : حَدَّثَنَا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حَدَّثَنَا محمد بن الجهم ، حَدَّثَنَا يحيى بن زياد الفراء في قوله عز وجل : {ثم استوى إلى السماء فسواهن} قال : الاستواء في كلام العرب على جهتين : إحداهما : أن يستوي الرجل وينتهي شبابه وقوته ، أو يستوي من اعوجاج ، فهذان وجهان ؛ ووجه ثالث أن تقول : كان مقبلا على فلان ثم استوى علي يشاتمني وإلي سواء ، على معنى أقبل إلي وعلي ، فهذا معنى قوله : استوى إلى السماء والله أعلم . قال : وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما : ثم استوى صعد وهذا كقولك للرجل : كان قاعدا فاستوى قائما ، أو كان قائما فاستوى قاعدا ، وكل في كلام العرب جائز . قلت : قوله : استوى بمعنى أقبل صحيح ، لأن الإقبال هو القصد إلى خلق السماء ، والقصد هو الإرادة وذلك هو الجائز في صفات الله تعالى . ولفظ ثم تعلق بالخلق لا بالإرادة . وأما ما حكي عن ابن عباس رضي الله عنهما فإنما أخذه عن تفسيره الكلبي ، والكلبي ضعيف ، والرواية عنه عندنا في أحد الموضعين كما ذكره الفراء
872- وفي موضع أخر كما أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن محبور ، أَخْبَرَنَا الحسين بن محمد بن هارون ، أَخْبَرَنَا أحمد بن محمد بن نصر ، حَدَّثَنَا يوسف بن بلال ، عن محمد بن مروان ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما في قوله : {ثم استوى إلى السماء} يعني : صعد أمره إلى السماء {فسواهن} يعني : خلق سبع سماوات . قال : أجرى النار على الماء يعني فبخر البحر فصعد في الهواء فجعل السماوات منه . ويذكر عن أبي العالية في هذه الآية أنه قال : استوى يعني : ارتفع . ومراده بذلك والله أعلم : ارتفاع أمره ، وهو بخار الماء الذي منه وقع خلق السماء
873- فأما ما أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن محبور الدهان ، أَخْبَرَنَا الحسين بن محمد بن هارون ، أَخْبَرَنَا أحمد بن محمد بن محمد بن نصر اللباد ، حَدَّثَنَا يوسف بن بلال ، عن محمد بن مروان عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما في قوله : {ثم استوى على العرش} يقول : استقر على العرش ، ويقال امتلأ به ، ويقال : قائم على العرش ، وهو السرير
__________
الأعراف آية رقم : 54
841- وبهذا الإسناد في موضع آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله} {ثم استوى على العرش} يقول : استوى عنده الخلائق ، القريب والبعيد ، وصاروا عنده سواء ويقال : استوى استقر على السرير . ويقال : امتلأ به . فهذه الرواية منكرة ، وإنما أضاف في الموضع الثاني القول الأول إلى ابن عباس رضي الله عنهما دون ما بعده ، وفيه أيضا ركاكة ، ومثله لا
يليق بقول ابن عباس رضي الله عنهما ، إذا كان الاستواء بمعنى استواء الخلائق عنده ، فإيش المعنى في قوله : {على العرش} ؟ وكأنه مع سائر الأقاويل فيها من جهة من دونه ، وقد قال في موضع آخر بهذا الإسناد استوى على العرش يقول : استقر أمره على السرير ، ورد الاستقرار إلى الأمر ، وأبو صالح هذا والكلبي ومحمد بن مروان كلهم متروك عند أهل العلم بالحديث ، لا يحتجون بشيء من رواياتهم لكثرة المناكير فيها ، وظهور الكذب منهم في رواياتهم .
874- أخبرنا أبو سعد أحمد بن محمد الماليني ، أَخْبَرَنَا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ ، حَدَّثَنَا محمد بن يوسف بن عاصم البخاري ، حَدَّثَنَا عبد الله بن محمد الزهري ، حَدَّثَنَا سفيان ، عن محمد بن قيس ، عن حبيب بن أبي ثابت ، قال : كنا نسميه دروغ زن ، يعني أبا صالح مولى أم هانئ
875- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أَخْبَرَنَا أبو بكر الحفيد ، حَدَّثَنَا هارون بن عبد الصمد ، حَدَّثَنَا علي بن المديني ، قال : سمعت يحيى بن سعيد القطان ، يحدث عن سفيان ، قال : قال الكلبي : قال لي أبو صالح : كل ما حدثتك كذب
876- أخبرنا أبو سعد الماليني ، حَدَّثَنَا أبو أحمد بن عدي ، حَدَّثَنَا أحمد بن حفص ، حَدَّثَنَا أبو حفص الفلاس ، حَدَّثَنَا أبو عاصم ، عن سفيان ، عن الكلبي ، قال : قال لي أبو صالح : انظر كل شيء رويت عني عن ابن عباس رضي الله عنهما ، فلا تروه . قال : وأخبرنا أبو أحمد قال : سمعت عبدان يقول : سمعت زيد بن الحريش يقول : سمعت أبا معاوية يقول : قلنا للكلبي : بين لنا ما سمعت من أبي صالح وما هو قولك ، فإذا الأمر عنده قليل . قال : وأخبرنا أبو أحمد ، حَدَّثَنَا الجنيدي ، حَدَّثَنَا البخاري قال : محمد بن السائب أبو النضر الكلبي الكوفي تركه يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي
877- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، قال : سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب يقول : سمعت العباس بن محمد ، يقول : سمعت يحيى بن معين ، يقول : الكلبي ليس بشيء
878- أخبرنا أبو سهل أحمد بن محمد بن إبراهيم بن مهران المزكي ، حَدَّثَنَا أبو الحسين محمد بن أحمد بن حامد العطار ، أخبرني أبو عبد الله الراوساني ، قال : سمعت محمد بن إسماعيل البخاري ، يقول : محمد بن مروان الكوفي صاحب الكلبي سكتوا عنه ، لا يكتب حديثه البتة قلت : وكيف يجوز أن يكون مثل هذه الأقاويل صحيحة عن ابن عباس رضي الله عنهما ، ثم لا يرويها ولا يعرفها أحد من أصحابه الثقات الأثبات ، مع شدة الحاجة إلى معرفتها ، وما تفرد به الكلبي وأمثاله يوجب الحد ، والحد يوجب الحدث لحاجة الحد إلى حاد خصه به ، والباري قديم لم يزل .
879- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، قال : سمعت أبا نصر أحمد بن سهل الفقيه وأبا صالح خلف بن محمد يقولان : سمعنا صالح بن محمد ، يقول : سمعت أبا عبد الله محمد بن زياد الأعرابي صاحب النحو يقول : قال لي أحمد بن أبي دؤاد : يا أبا عبد الله ، يصح هذا في اللغة ، ومخرج الكلام الرحمن علا من العلو ، والعرش استوى ؟ قال : قلت : يجوز على معنى ، ولا يجوز على معنى ، إذا قلت : الرحمن علا من العلو ، فقد تم الكلام ، ثم قلت : العرش استوى . يجوز إن رفعت العرش ، لأنه فاعل ، ولكن إذا قلت : له ما في السماوات وما في الأرض ، فهو العرش . وهذا كفر وفيما روى أبو الحسن بن مهدي الطبري ، عن أبي عبد الله نفطويه قال : أخبرني أبو سليمان يعني داود قال : كنا عند ابن الأعرابي فأتاه رجل فقال : يا أبا عبد الله ، ما معنى قوله : {الرحمن على العرش استوى} فقال : إنه مستو على عرشه كما أخبر . فقال الرجل : إنما معنى قوله : {استوى} أي : استولى . فقال له ابن الأعرابي : ما يدريك ؟ العرب لا تقول استولى على العرش فلان ، حتى يكون له فيه مضاد ، فأيهما غلب قيل : قد استولى عليه ، والله تعالى لا مضاد له فهو على عرشه كما أخبر