الشاهد الرابع لحديث توسل آدم :
الشاهد الرابع ما رواه أبو بكر الآجري في كتاب الشريعة قال : حدثنا هارون بن يوسف التاجر قال : حدثنا أبو مروان العثماني قال : حدثني أبو عثمان بن خالد عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه أنه قال : من الكلمات التي تاب الله بها على آدم قال : اللهم إني أسألك بحق محمد عليك ، قال الله تعالى : وما يدريك ما محمد ؟ قال : يارب ! رفعت رأسي فرأيت مكتوباً على عرشك لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فعلمت أنه أكرم خلقك .
فانضمام هذا الأثر إلى حديث عبد الرحمن بن زيد يفيده قوة كما لا يخفى .
الجنة حرام على الأنبياء حتى يدخلها محمد - صلى الله عليه وسلم -
ومن أمثال هذا التفضل الإلهي على حضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ما جاء في الحديث من كون الجنة حراماً على الأنبياء حتى يدخلها نبينا - صلى الله عليه وسلم - ، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
((الجنة حرمت على الأنبياء وحرمت على الأمم حتى تدخلها أمتي)) .. ( رواه الطبراني في الأوسط ، وقال الهيثمي : إسناده حسن ) .. [مجمع الزوائد ج10 ص69].
ارتباط الكون باسمه صلى الله عليه وسلم
ومن أمثال هذا التفضل الإلهي ما جاء في الآثار من انتشار اسمه محمد في الملأ الأعلى ، قال كعب الأحبار : إن الله أنزل على آدم عصياً بعدد الأنبياء والمرسلين ، ثم أقبل على ابنه شيث فقال : ابني أنت خليفتي من بعدي فخذها بعمارة التقوى والعروة الوثقى ، وكلما ذكرت الله فاذكر إلى جنبه اسم محمد فإني رأيت اسمه مكتوباً على ساق العرش وأنا بين الروح والطين ، ثم إني طفت السماوات فلم أر في السماوات موضعاً إلا رأيت اسم محمد مكتوباً عليه ، وإن ربي أسكنني الجنة فلم أر في الجنة قصراً ولا غرفة إلا اسم محمد مكتوباً عليه ، ولقد رأيت اسم محمد مكتوباً على نحور الحور العين وعلى ورق قصب آجام الجنة وعلى ورق شجرة طوبى ، وعلى ورق سدرة المنتهى ، وعلى أطراف الحجب وبين أعين الملائكة ، فأكثروا ذكره فإن الملائكة تذكره في كل ساعاتها . اهـ (المواهب اللدنية ج1 ص186) .
قال الزرقاني في شرحه : رواه ابن عساكر .
قلت : وقد ذكر نحو هذا الخبر الشيخ ابن تيمية ، فقال : وقد روى أن الله كتب اسمه على العرش وعلى ما في الجنة من الأبواب والقباب والأوراق ، وروى في ذلك عدة آثار توافق هذه الأحاديث الثابتة التي تبين التنويه باسمه وإعلاء ذكره حينئذ .
وفي رواية لابن الجوزي عن ميسرة قال : قلت : يا رسول الله ! متى كنت نبياً ؟
قال :
((لما خلق الله الأرض واستوى إلى السماء فسواهن سبع سموات ، وخلق العرش كتب على ساق العرش محمد رسول الله خاتم الأنبياء ، وخلق الله الجنة التي أسكنها آدم وحواء فكتب اسمي على الأبواب والأوراق والقباب والخيام ، وآدم بين الروح والجسد ، فلما أحياه الله تعالى نظر إلى العرش فرأى اسمي فأخبره الله إنه سيد ولدك ، فلما غرهما الشيطان تابا واستشفعا باسمي إليه)) .
اهـ (الفتاوى ج2 ص150 ) .
فوائد مهمة من حديث توسل آدم :
وفي الحديث التوسل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يتشرف العالم بوجوده فيه وأن المدار في صحة التوسل على أن يكون للمتوسل به القدر الرفيع عند ربه عز وجل وأنه لا يشترط كونه حياً في دار الدنيا .
ومنه يعلم أن القول بأن التوسل لا يصح بأحد إلا وقت حياته في دار الدنيا قول من اتبع هواه بغير هدى من الله .
حاصل البحث في درجة الحديث :
والحاصل أن هذا الحديث صححه بشواهده(7)[7]ونقله جماعة من فحول العلماء وأئمة الحديث وحفاظه الذين لهم مقامهم المعروف ومكانتهم العالية وهم الأمناء على السنة النبوية فمنهم الحاكم والسيوطي والسبكي والبلقيني .
ونقله البيهقي في كتابه الذي شرط فيه أن لا يخرج الموضوعات ، والذي قال فيه الذهبي : عليك به فإنه كله هدى ونور . [كذا في شرح المواهب وغيره] .
وذكره ابن كثير في البداية واستشهد به ابن تيمية في الفتاوى ، وكون العلماء اختلفوا فيه فرده بعضهم وقبله البعض ليس بغريب لأن كثيراً من الأحاديث النبوية جرى فيها الخلاف بأكثر من هذا وانتقدها النقاد بأعظم من هذا .
وبسبب ذلك ظهرت هذه المؤلفات العظيمة ، وفيها الاستدلالات والتعقبات والمراجعات والمؤاخذات ، ولم يصل ذلك إلى الرمي بالشرك والكفر والضلال والخروج عن دائرة الإيمان لأجل الاختلافات في درجة حديث من الأحاديث ، وهذا الحديث من جملة تلك الأحاديث( .
توسل اليهود به - صلى الله عليه وسلم -
قال تعالى : { وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ } .
قال القرطبي قوله تعالى : ولما جاءهم - يعني اليهود - كتاب - يعني القرآن - من عند الله مصدق - نعت لكتاب ويجوز في غير القرآن نصبه على الحال وكذلك هو في مصحف أبي بالنصب فيما روى - لما معهم - يعني التوراة والإنجيل يخبرهم بما فيها - وكانوا من قبل يستفتحون - أي يستنصرون ، والاستفتاح : الاستنصار استفتحت استنصرت ، وفي الحديث كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستفتح بصعاليك المهاجرين أي يستنصر بدعائهم وصلاتهم . ومنه :
فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده ، والنصر فتح شيء مغلق فهو يرجع إلى قولهم : فتحت الباب .
وروى النسائي عن أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
((إنما نصر الله هذه الأمة بضعفائها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم)) ..
وروى النسائي أيضاً عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
((أبغوني الضعيف فإنكم إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم)) ..
قال ابن عباس : كانت يهود خيبر تقاتل غطفان فلما التقوا هزمت يهود فدعت يهود بهذا الدعاء ، وقالوا : إنا نسألك بحق النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمان أن تنصرنا عليهم ، قال : فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء فهزموا غطفان ، فلما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - كفروا ، فأنزل الله تعالى : { وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ } أي بك يا محمد إلى قوله : { فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ } . تفسير القرطبي (ج2 ص26 و27)(9) .