أهل السنة والجماعة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
أهل السنة والجماعة

موقع أهل السنة والجماعة ومذاهبهم الفقهية والعقائدية والرد على من خالفهم

  نرحب بكم بمنتدى أهل السنة والجماعة ، نرجو منكم الإنضمام إلى هذا المنتدى المبارك ، هدفنا من هذا المنتدى النصيحة لأنفسنا ولغيرنا ولسائر المسلمين وغير المسلمين بالحكمة والموعظة الحسنة ، الدين النصيحة لله ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم .

    كلام نفيس عن الكلام النفسي اللغزالي

    avatar
    seraj-wahhaj


    عدد المساهمات : 31
    تاريخ التسجيل : 01/12/2009

    كلام نفيس عن الكلام النفسي اللغزالي Empty كلام نفيس عن الكلام النفسي اللغزالي

    مُساهمة  seraj-wahhaj الخميس ديسمبر 10, 2009 5:43 am

    الغزالي وقوله بقدم الكلام النفسي ووحدته وقيامه

    بذات البارى خلافا للمعتزلة
    إذا كان الغزالي قد أثبت لله كلاماً نفسياً، فقد ذهب أيضاً إلى إثبات قدم هذا الكلام واعتبر الألفاظ والحروف حادثات دالة على هذا الكلام، وهنا نراه يواجه نفس المشكلة التي كثيراً ما واجهها في بحثه للصفات، ونعني بها مشكلة اتصال الحادث _وهو هنا الالفاظ والحروف، بالقديم _ وهو الكلام النفسي القائم بذات الله.
    فمثلاً نرى الغزالي في محاولة له لرد دعوى خصومه من المعتزلة القائلين بحدوث الكلام _إذ لم يثبتوا من الكلام إلا الألفاظ والحروف منكرين الكلام النفسي‌_ نقول إن الغزالي يلجأ إلى رد ذلك مستخدما نفس المسلك الذي سبق أن سلكه وسلكه من قبله أئمته في تفسيرهم لاتصال الحادث بالقديم، إذ يرى أنه لما كان العالم حادثاً وهو يشير في نفس الوقت إلى صانع قديم، ولما كانت دلالة العالم، وهي الحدوث، على مدلوله، وهو قديم، هي دلالة ذاتية تدل على ذات الصانع، فانه من الأولى أن تدل الحروف وهي حادثة على صفة قديمة وهي الكلام النفسي، علما بأن دلالتها إصطلاحية وليست بذاتية كالعالم.
    أيضاً يناقش الغزالي دعوى خصومه من الفلاسفة والتي تقضي باستحالة سماع موسى لكلامه تعالى ما دام الغزالي وأئمته قد أثبتوا لله كلاما نفسياً قديماً، تماماً كما أثبتوا حدوث الألفاظ والحروف الدالة على هذا الكلام، فكيف سمع موسى إذا كلام الله وهو قديم؟ أسمع أصواتاً وحروفاً وهي حادثة، ومن المحال باتفاق قيام الحادث بالقديم؟ أم أنه لم يسمع أصواتا ولا حروفا؟ وفي كلتا الحالتين فانه فيما يذكر الفلاسفة _لم يسمع كلام البارى، لأنه ان كان قد سمع أصواتا وحروفا فهي ليست بكلام الله، وان لم يسمع أصواتا ولا حروفا فكيف يمكنه سماع ما ليس بحرف ولا صوت.
    والواقع أننا نرى من جانبنا متفقين في ذلك مع الغزالي وأساتذته من الأشاعرة أن قياس الفلاسفة للغائب على الشاهد هو ما تأدى بهم إلى انكارهم لتكليمه تعالى موسى (س). وقد إستطاع الغزالي وأئمته جميعا أن يجدوا إلى حد ما حلا مناسبا لهذه المشكلة عن طريق ابطالهم لقياس الخصوم للغائب على الشاهد.
    فالغزالي يذهب إلى أنه من الصعوبة الاجابة على سؤال الفلاسفة جوابا مقنعا، إذ أن ذلك يتضمن استحالة هي أن كلام الله لا يشبه شيئا من مسموعات موسى التي هي أصوات، وليس هو بصوت. والتقريب بالتشبيه يعد فيما يرى الغزالي غير مفيد للاقناع في مثل هذه الحالة. إذ أن سؤلهم يعد سؤالا في كيفية ما لا كيفية له، فضلا عن أن الاستحالة القائمة في السؤال والجواب لا تنفى وجود كلام الله تعالى الذي هو صفة قديمة.
    ويضيف الغزالي متابعاً إمامه الأشعري بأن موسى قد سمع كلام الله وهو وصف قديم قائم بذاته تعالى ليس بصوت ولا حرف، وكما ترى ذاته تعالى رؤية تخالف رؤية الجسام والاعراض، فان موسى سمع كلامه سماعا يخالف الاصوات والحروف.
    والغزالي في ذلك يتفق تماما مع ما ذهب إليه شيخه الاشعري ومن حذا حذوه من الاشاعرة في جواز رؤية ما ليس بجسم وسماع ما ليس بصوت عن طريق خرق العادة.
    فاذا كان المعتزلة قد أنكروا الكلام النفسي وذهبوا إلى أنه سبحانه يتكلم بكلام زائد على ذاته غير أنه غير قائم بذاته لانه يعد متكلما باعتبار فعله للكلام لا باعتبار قيام الكلام به، إذ الكلام مؤلف من أصوات وحروف، وهي حادثة، وهو سبحانه ليس بمحل للحوادث. ولكنه تعالى يخلق كلامه في محل آخر كأجسام الجمادات ويكون هو المتكلم به. وعليه فالكلام عند المعتزلة يعد صفة فعلية لا صفة نفسية. فيما أثبته الغزالي والأشاعرة، ومن ثم كان حادثا أن يكون حادثا لأنه لو كان قديماً لأدى إلى إثبات قديمين فضلا عن أفضائه إلى الكذب في الخبر في قوله تعالى (إنا أرسلنا نوحا إلى قومه)، إذ الخبر قديم والمخبر عنه محدث.
    ويرد الغزالي على المعتزلة مبطلا لقولهم باستحالة قيام الكلام بذات البارى قائلا بأنه تعالى يعد متكلما باعتبار كونه محلا للكلام، لا غيره من أجسام الجمادات إذ لا فرق بين قولنا ليس بمتكلم وبين قولنا لم يقم بذاته كلام، فان صدق على الله قولنا: لم يقم بذاته كلام، صدق قولنا: ليس بمتكلم لأنهما عبارتان عن معنى واحد".
    ومن ثم فالكلام الثابت للبارى سبحانه هو -فيما يذكر الغزالي _ الكلام النفسي وهو قديم قائم بذاته تعالى ليس بصوت ولا حرف وإنما الأصوات والحروف الحادثة هي دلالات عليه، وهو سبحانه يعد متكلما بكلام زائد على ذاته لا بمجرد الذات.
    أيضاً يرد الغزالي على دعوى المعتزلة المخالفين _في كون الكلام قديما وفيه أخبار عما مضى، وكيف يكون الخلق به مأمورين منهيين في الأزل ولم يخلق سبحانه الخلق _فيعالجها بمثل ما سبق وعالج به مشكلة إتصال علم الباري القديم بالمعلومات الحادثة، إذ يقول: "الباري تعالى في الأزل علم بوجود العالم في وقت وجوده، وهذا العلم صفة واحدة مقتضاها في الأزل العلم بأن العالم يكون من بعد، وهذه الأحوال تتعاقب على العالم، ويكون مكشوفا لله تعالى تلك الصفة وهي لم تتغير، وإنما المتغير أحوال العالم".
    فالأزمنة تعد _فيما يرى الغزالي _ واحدة بالنسبة لله. إذ لا فرق عنده بين ما كان وما يكون وما سيكون ان لو كان كيف كان يكون. ومن هنا كان الكلام بذات الباري وان أخبر عن الماضي لا ينتفي قدمه، لأنها أخبار متعلقة بالمخبر وهو الباري سبحانه، والأوقات والأحوال بالنسبة إليه تعالى واحدة، وإنما الذي إختلف باختلاف الأحوال هو اللفظ الدال على كلام النفس القديم القائم بذاته سبحانه.
    فالمدلول إذن قديم، والدال _وهو الألفاظ، حادث، ولذلك جاز مخاطبه المعدوم في حالة العدم على إقتضاء الوجود، ما دام وجوده _فيما يشير الغزالي _ ممكنا وليس مستحيلا.
    ويضيف الغزالي أن البارى سبحانه علم أن المعدوم سيوجد، فاذا كان تعالى قادراً قبل وجود المقدور _على ما ذهب المعتزلة، جاز أن يكون آمرا ناهيا قبل وجود المأمور والمنهى. وعليه لا يشترط الغزالي كون المأمور موجودا حال الامر، بل يشترط كونه معلوما _ أي معلوم الوجود، إذ لا يتصور أمر من يعلم إستحالة وجوده، وذلك لأن "خلاف المعلوم محال وقوعه، ولكنه ليس محالا لذاته، بل هو محال لغيره، والمحال لغيره في إمتناع الوقوع كالمحال لذاته".
    ويفصل الغزالي ذلك موضحاً أن المعتزلة، إذا كانوا قد إستبعدوا كون الكلام قديما، وهو يتعلق في الوقت نفسه بالامر والنهي، ولا مأمور ولا منهى في الازل، فان إستبعادهم هذا كان سببه _فيما يذكر الغزالي _ تقديرهم الكلام صوتا وأحرفا فقط، وأنه لا سبيل إلى رد ما ذهبوا إليه في هذا الشأن إلا بافهامهم الكلام النفسي، وهو يختلف إختلافا بينا عن الكلام باعتباراته الإنسانية (الامر والنهي والخير). وهذا الكلام مؤداه، القول بأنه يقوم بذات البارى خبر عن إرسال نوح، يكون معناه قبل إرساله: انا نرسله، وبعد ارساله: انا أرسلنا. ويكون اللفظ مختلفا باختلاف الاحوال، أما المعنى القائم بذات الله، وهو حقيقة الخبر من حيث تعلقه بمخبر ذلك الخبر _وهو ارسال نوح في الوقت المعلوم _ فلا يختلف. أيضاً فقوله تعالى (إخلع نعليك)، هو لفظة تدل على الامر، ومفهوم الامر أنه اقتضاء وطلب يقوم بذات الآمر، ولا يشترط قيامه بذات الآمر أن يكون المأمور موجودا، ولكن يجوز أن يقوم بذاته قبل وجود المأمور، فاذا وجد كان مأمورا بذلك الاقتضاء، دون أن يتجدد إقتضاء آخر.
    فالغزالي يذهب متابعا أمامه الأشعري فيجيز أن يقوم بذات الله أمر دون وجود المأمور، وهو لا يشترط في ذلك إلاّ كون المأمور معلوم وجوده لله، أما فهم المأمور للأمر فهو ما لا يشترطه الغزالي _خلافاً للمعتزلة إذ يرى أنهم اذا كانوا يجيزون وجود المأمور ولا أمر، فانه يلزمهم من ذلك أن يجيزوا الأمر ولا مأمور.
    الواقع أننا نلاحظ أن رأي الغزالي في هذا الصدد يعد متعارضا الى حد كبير، إذ نراه يجيز أحيانا أمر المأمور ولا يشترط أن يكون المأمور فاهماً للأمر. ثم نراه يذهب في موضع آخر الى رأي مخالف تماماً لهذا الرأي، اذ يقرر منتحلا مذهب أهل السنة، أن حقيقة التكليف في نفسه _وهو من أقسام الامر _ أنه كلام، وله مصدر وهو المكلف ولا يشترط فيه سوى كونه متكلما. كما أن له مورد وهو المكلف ويشترط فيه أن يكون فاهم للكلام، حيث أن تكليف الصبي والمجنون الجماد لا يسمى تكليفا ولا خطابا، لان هؤلاء لا يتحقق فيهم شرط الفهم.
    ويرى الغزالي أن الخطاب والتكليف هما عبارتان عن معنى واحد، إذ التكليف هو نوع من أنواع الخطاب. وكما أن للتكليف مصدر ومورد فان له أيضاً متعلق، وهو المكلف به، والغزالي لايشترط فيه سوى أن يكون مفهوماً للمكلف، أما أن يكون المكلف به ممكنا، فهذا ما لا يشترط الغزالي لتحقيق صحة الكلام، اذ التكليف كلام، فاذا صدر الكلام ممن يفهم فيما يفهم مع من يفهم وكان المخاطَب دون المخاطِب، فانه يسمى بذلك _فيما يقول الغزالي _ تكليفا، واذا كان المخاطَب مثله سمى إلتماسا، وأن كان المخاطَب فوقه سمى دعاءاً وسؤالا. فالطلب أو الاقتضاء في ذاته يعد واحدا، غير أن الاسماء تختلف عليه باختلاف النسبة.
    ونحن بعد ذلك نرى الغزالي يذهب مذهبا آخرا يعد مشابها لرأيه السابق الى حد ما، وفيه يشترط أن يكون المأمور فاهما لرأي الآمر على سبيل العلم الكشفي لما في نفس الآمر، دون التلفظ بما يدل على الاقتضاء الباطن.
    ويوضح الغزالي متابعا أئمته من الأشاعرة _وبخاصة الأشعري بقوله، أن أقسام الكلام من الأمر والنهي والخبر اذا كانت تعد مختلفة فيما بينها، فأنها ليست مختلفة بالذات ولكنها تختلف من جهة تغاير متعلقاتها مما لا ينفي وحدتها. فاختلاف التعبيرات عن الكلام الأزلي، ليس لتعدد في نفسه، بل لتعدد المتعلقات واختلاف الاضافات، وذلك لا يعد تناقضا _فيما يرى الغزالي _ وإنما يوجب التناقض هو التعبير عن الأمر من جهة ما عبر عنه بالنهي، ومن جهة ما عبر عنه بالخبر.
    يقول الغزالي: "كل اختلاف يرجع إلى تباين الذوات بأنفسها، فلا يمكن أن يكفي الواحد منها وينوب عن المختلفات، فوجب أن يكون العلم غير القدرة وكذلك الحياة، وكذا الصفات السبعة، وأن تكون الصفات غير الذات من حيث أن المباينة بين الذات الموصوفة وبين الصفة، أشد من المباينة بين الصفتين. وأما العلم بالشيء فلا يخالف العلم بغيره إلا من جهة تعلقه بالمتعلق. فلا يبعد أن تتميز الصفة القديمة بهذه الخاصية، وهو أنه لا يوجب تباين المتعلقات فيها، تباينا وتعددا".
    فاذا كان كلام الباري وهو الكلام النفسي يعد قديماً فهو والألفاظ والحروف التي هي دلالات عليه حادثة، فهل يعتبر كلامه سبحانه المكتوب في المصاحف، والمحفوظ في الصدور، والمقروء بالألسنة حالا في تلك الأشياء، وهو قديم وهي حادثة؟
    يجيب الغزالي على ذلك بنفس ما أجاب به جميع من سبقوه من مفكري الأشعرية، اذ يرى أن كلام الله سبحانه هو بالفعل مكتوب في المصاحف، المحفوظ في الصدور والمقروء بالألسنة، ولكن ليس معنى كونه مكتوبا أو مقروء أو محفوظا، أن يكون حالا في المصاحف أو في الصدور أو في الألسنة، بل أن معنى ذلك أنه قد حصل فيها ما هو دال عليه، وهو مفهوم منه ومعلوم. إذ أنه لا يلزم في كتابة اسم الله تعالى أو كلامه النفسي القديم في المصحف أن يحل سبحانه في المصحف، تماما كما لا تحل النار بكتابة اسمها في الورق أو بالتلفظ به في اللسان.
    والغزالي يفرق في هذا المجال بين الدليل، وهو الألفاظ والحروف الدالة على كلامه سبحانه النفسي، وبين المدلول، وهو ذات الكلام. فالحال في المصاحف هو الأصوات والحروف الحادثة والدالة على كلام الله النفسي والقديم، دون ذات الكلام. وهذا يفسر _فيما يذكر الغزالي _ انعقاد الاجماع على وجوب احترام المصحف وتحريم مسه على المحدث "إذا الحروف أدلة على ذات الكلام، وللأدلة حرمة، إذ جعل الشرع لها حرمة، فلذلك وجب احترام المصحف، لأن فيه دلالة على صفة الله تعالى".
    ---------------------------------
    * المصدر:مذهب اهل السنة والجماعة ومنزلتهم في الفكر الاسلامي

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة أبريل 26, 2024 5:05 pm