أهل السنة والجماعة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
أهل السنة والجماعة

موقع أهل السنة والجماعة ومذاهبهم الفقهية والعقائدية والرد على من خالفهم

  نرحب بكم بمنتدى أهل السنة والجماعة ، نرجو منكم الإنضمام إلى هذا المنتدى المبارك ، هدفنا من هذا المنتدى النصيحة لأنفسنا ولغيرنا ولسائر المسلمين وغير المسلمين بالحكمة والموعظة الحسنة ، الدين النصيحة لله ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم .

    (( تحقيق الآمال فيما ينفع الميت من الأعمال )) (4) لشيخنا العلامة محدث الحرمين / محمد بن علوي المالكي رحمه الله

    avatar
    حجة الحق


    عدد المساهمات : 51
    تاريخ التسجيل : 17/01/2010

    (( تحقيق الآمال فيما ينفع الميت من الأعمال )) (4)  لشيخنا العلامة محدث الحرمين / محمد بن علوي المالكي رحمه الله Empty (( تحقيق الآمال فيما ينفع الميت من الأعمال )) (4) لشيخنا العلامة محدث الحرمين / محمد بن علوي المالكي رحمه الله

    مُساهمة  حجة الحق الإثنين يناير 18, 2010 7:14 am

    فضل سورة (يس)
    عن معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((البقرة سنام القرآن وذروته مع كل آية منها ثمانون ملكاً، واستخرجت {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} من تحت العرش، فوصلت بها، أو فوصلت بسورة البقرة، و(يس) قلب القرآن لا يقرؤها رجل يريد الله تبارك وتعالى والدار الآخرة إلا غفر له، واقرءوها علىموتاكم)).
    وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((اقرءوا (يس) على موتاكم)).
    وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((سورة (يس) اقرءوها على موتاكم)).
    وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن لكل شيءٍ قلباً، وقلب القرآن (يس)، ومن قرأ (يس) كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات)).
    وعن جندب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من قرأ (يس) في ليلة ابتغاء وجه الله غفر له)).
    فضل سورة الملك
    عن ابن عباس رضي الله عنهما: ضرب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم خباءه على قبر وهو لا يحسب أنه قبر، فإذا فيه إنسان يقرأ (تبارك الذي بيده الملك) حتى ختمها، فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله إني ضربت خبائي على قبر وأنا لا أحسب أنه قبر، فإذا فيه إنسان يقرأ سورة (تبارك الملك) حتى ختمها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((هي المانعة هي المنجية من عذاب القبر)).
    وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: يؤتى الرجل في قبره فتؤتى رجلاه، فتقول رجلاه: ليس لكم على ما قبلي سبيل، كان يقوم يقرأ بي سورة الملك، ثم يؤتى من قبل صدره أو قال بطنه، فيقول: ليس لكم على ما قبلي سبيل كان يقوم يقرأ بي سورة الملك، ثم يؤتى من قبل رأسه فيقول: ليس لكم على ما قبلي سبيل كان يقرأ بي سورة الملك، فهي المانعة تمنع عذاب القبر، وهي في التوراة سورة الملك من قرأها في ليلة فقد أكثر وأطنب.
    وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لوددت أنها في قلب كل إنسان من أمتي)) يعني (تبارك الذي بيده الملك).

    فضل لا إله إلا الله
    أول أبواب الفرج لا إله إلا الله، هي كلمة التقوى، كما قال عمر رضي الله عنه، وهي كلمة الإخلاص وشهادة الحق ودعوة الحق وبراءة من الشك ونجاة هذا الأمر، ولأجلها خلق الخلق، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات:56]، ولأجلها أرسلت الرسل وأنزلت الكتب، كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ}[الأنبياء:25]، وقال تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلاَئِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ}[النحل:2]، ونحو هذه الآيات. ولهذا قال ابن عيينة: (ما أنعم الله على عبد من العباد نعمة أعظم من أن عرفهم لا إله إلا الله) وأن (لا إله إلا الله) لأهل الجنة كالماء البارد لأهل الدنيا، ولأجلها أعدت دار الثواب ودار العقاب، ولأجلها أمرت الرسل بالجهاد، فمن قالها عصم ماله ودمه، ومن أباها فماله ودمه هدر، وهي مفتاح الجنة، ومفتاح دعوة الرسل، وبها كلم الله موسى شفاهاً.

    وفي مسند البزّار وغيره عن عياض الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((لا إله إلا الله كلمة حق كريمة على الله، ولها من الله مكان، وهي كلمة من قالها صادقاً أدخله بها الجنة، ومن قالها كاذباً حقنت دمه، وأحرزت ماله، ولقي الله غداً فحاسبه، وهي ثمن الجنة)). وقال الحسن ـ وجاء مرفوعاً من وجوه ضعيفة ـ: ((ومن كانت آخر كلامه دخل الجنة)). وهي نجاة من النار، وهي توجب المغفرة، وهي أحسن الحسنات، وهي تمحو الذنوب والخطايا، وهي تجدد ما درس من الإيمان في القلب، وهي ترجح بالسماوات والأرض، وهي تخرق الحجب، وهي أفضل ما قاله النبيون، وهي أفضل الأعمال وأكثرها تضعيفاً وتعدل عتق الرقاب وتكون حرزاً من الشيطان، وهي أمان من وحشة القبر، وهي شعار المؤمنين إذا قاموا من قبورهم).
    عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله، أوصني، قال: ((إذا عملت سيئة فأتبعها حسنة تمحها)) قال: قلت: يا رسول الله أمن الحسنات (لا إله إلا الله)؟ قال: ((هي أفضل الحسنات)).
    وعن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((مفاتيح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله)).
    وعن معقل بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لكل شيء مفتاح ومفتاح السماوات قول لا إله إلا الله)).
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قيل: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أولى منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه)).
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((ما قال عبد لا إله إلا الله قط مخلصاً إلا فتحت له أبواب السماء حتى يفضي إلى العرش ما اجتنبت الكبائر)).

    هذه خلاصة يسيرة في ذكر فضائل بعض السور القرآنية وبركتها على الأحياء والأموات، وقد سبق من التحقيق وهو الراجح عند أكثر المذاهب وعليه عمل جمهور المسلمين من السلف والخلف أن الميت ينتفع بقراءة القرآن كما ينتفع بالدعاء والاستغفار له والصدقة عليه والحج عنه وزيارة قبره. والله أعلم.

    الخاتمة
    قصر الأمل وذكر الموت
    اعلم أن قصر الأمل، والإكثار من ذكر الموت، أمر مرغب فيه، مندوب إليه، وأن طول الأمل ونسيان الموت أمر مكروه قد ورد التحذير عنه. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ، وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ، وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[المنافقون:9-11].
    وقال تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}[الحديد:16].
    وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}الآية[الجمعة:8].
    وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أكثروا من ذكر هاذم اللذات)) الحديث.
    وسئل عليه الصلاة والسلام عن الأكياس من الناس من هم؟ فقال: ((أكثرهم للموت ذكراً، وأحسنهم له استعداداً، أولئك الأكياس، ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة)).
    وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)).
    وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((ما لي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها)).
    معنى تذكر الموت
    وليس ذكر الموت النافع هو أن يقول الإنسان بلسانه: الموت، الموت، فقط؛ فإن ذلك قليل المنفعة وإن أكثر منه، بل لا بد مع ذلك من تفكر القلب واستحضاره عند ذكر الموت باللسان. كيف يكون حاله عند الموت وأهواله وسكراته ومعاينته أمور الآخرة. وما الذي بقي من أجله وبم يختم له، وكيف كان حال من مضى من أقرانه وأصحابه عند الموت، وإلى أي مصير صاروا!! وأشباه ذلك من الأفكار والأذكار النافعة للقلب والمؤثرة فيه.
    قال بعض السلف: انظر كل شيء تحب أن يأتيك الموت وأنت عليه فالزمه، وكل شيء تكره أن يأتيك الموت وأنت عليه فاجتنبه. فتأمل رحمك الله هذه المقالة، فإنها عظيمة النفع لمن عمل بها، والله الموفق والمعين لا رب غيره.
    معنى كراهية الموت
    وأما كراهية الموت فأمر طبيعي لا يكاد الإنسان ينفك عنه، وذلك لأن الموت مؤلف في نفسه، ومفرق بين الإنسان وبين محبوباته ومألوفاته من دنياه. ولما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه)). قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله كلنا نكره الموت، قال عليه الصلاة والسلام: ((إن المؤمن إذا حضره الموت بشر برحمة الله فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا حضره الموت بُشِّر بعذاب الله فكره لقاء الله وكره الله لقاءه)).

    وفي وصف المؤمن المحبوب المذكور في قوله عليه الصلاة والسلام عن الله: ((ما تقرب المتقربون)) فساق الحديث إلى أن قال تعالى: ((وما ترددت في شيء أنا فاعله كترددي في قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه))، فانظر كيف وصفه بكراهية الموت مع كمال إيمانه وعلو منزلته عنده تعالى تعلم صحة ما ذكرناه، وفي أخبار موسى عليه الصلاة والسلام أنه لطم ملك الموت حين جاءه ليقبضه فأخرج عينه.
    نعم، قد تنغمر كراهية الموت حتى لا تحس في حال قوة إشراق أنوار المعرفة واليقين، ويكون ذلك لأهله في وقت دون وقت. وأما الأمر العام في أهل الإيمان فهو أنهم يحبون الموت لما فيه من لقاء الله، والمصير إلى الدار الباقية، والخروج من الدنيا محل الفتن والمحن، ويكرهون المون بالنفس والطبع، لما فيه من الألم وفراق المحبوبات، وكلما كان الإيمان أقوى كانت الكراهية أقل، ومقتضى الطبع أضعف، وبالعكس. فتفطن لذلك، والله يتولى هداك.
    وأما طول العمر في طاعة الله فهو محبوب ومطلوب لقوله عليه الصلاة والسلام: ((خيركم من طال عمره وحسن عمله)) وكلما كان العمر أطول في طاعة الله كانت الحسنات أكثر والدرجات أرفع. وأما طوله في غير طاعة الله فبلاء وشر، تكثر السيئات وتتضاعف الخطيئات.

    ومن زعم من الناس أنه يحب طول البقاء في الدنيا ليستكثر من الأعمال الصالحة المقربة إلى الله تعالى، فإن كان مع ذلك حريصاً عليها ومشمراً فيها ومجانباً لما يشغل عنها من أمور الدنيا فهو بالصادقين أشبه، وإن كان متكاسلاً عنها ومسوفاً فيها ـ أعني الأعمال الصالحة ـ فهو من الكاذبين المتعللين بما لا يغني عنه، لأن من أحب أن يبقى لأجل شيء صار في غاية الحرص على ذلك الشيء مخافة أن يفوته ويحال بينه وبينه. سيما والعمل الصالح لا يمكن إلا في الدنيا، ولا يتصور وجوده في غيرها البتة، لأن الآخرة دار جزاء وليست بدار عمل. فتفكر في ذلك جداً عسى الله أن ينفعك به، واستعن بالله واصبر، واجتهد وشمر، وبادر بالأعمال الصالحة من قبل أن لا تجد إليها سبيلاً، واغتنم فسحة المهل من قبل أن يفجأك الأجل، فإنك غرض للآفات، وهدف منصوب لسهام المنيات، وإنما رأس مالك الذي يمكنك أن تشتري به من الله سعادة الأبد هذا العمر. فإياك أن تنفق أوقاته وأيامه وساعاته وأنفاسه فيما لا خير فيه ولا منفعة، فيطول تحسرك ويعظم أسفك بعد الموت إذا عرفت قدر الفائت وتحققته.

    وقد ورد أنه تعرض على الإنسان في الدار الآخرة ساعات أيامه ولياليه في هيئة الخزائن كل يوم وليلة أربع وعشرون خزانة بعدد ساعاتهما، فيرى الساعة التي عمل فيها بطاعة الله خزانة مملوءة نوراً، والتي عمل فيها بمعصية الله مملوءة ظلمة، والتي لم يعمل فيها بطاعة ولا معصية يجدها فارغة لا شيء فيها فيعظم تحسره إذا نظر إلى الفارغة أن لا يكون عمل فيها بطاعة الله فيجدها مملوءة نوراً. وأما التي يجدها مملوءة ظلمة فلو قضى عليه أن يموت عند النظر إليها من الأسف والحسرة لمات، غير أنه لا موت في الآخرة، فالعامل بطاعة الله يكون فيها فرحاً مغتبطاً على الدوام، يزيد فرحه واغتباطه على ممر الأيام. والعامل بمعصية الله ترح مغموم، لا يزال يزداد ترحه وغمه إلى غير نهاية، فاختر لنفسك رحمك الله ما دمت في دار الاختيار ما ينفعها ويرفعها، فإنك لو قَدْ متّ خرج الأمر عن اختيارك.
    قال الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي رحمه الله في البداية: واعلم أن الموت لا يهجم في وقت مخصوص، وحال مخصوص، وسن مخصوص، ولا بد من هجومه، فالاستعداد له أولى من الاستعداد للدنيا.
    وقال أيضاً في موضع آخر من البداية: ولا تدع عنك التفكر في قرب الأجل، وحلول الموت القاطع للأمل، وخروج الأمر عن الاختيار، وحصول الحسرة والندامة بطول الاغترار. انتهى.
    وقد كان من السلف الصالح من لو قيل له: إنك ميت غداً، لم يجد موضعاً للزيادة من العمل الصالح، لما هو عليه من غاية الإقبال على الآخرة والاشتغال بالأعمال الصالحة.
    وقال بعضهم لبعض من استوصاه: انظر فكل شيء تحب أن يأتيك الموت وأنت تعمله فالزمه الآن، وكل شيء تكره أن يلقاك الموت وأنت تعمله فاتركه الآن.

    وفي الإكثار من ذكر الموت، واستشعار قرب نزوله، فوائد جليلة، ومنافع كثيرة، منها الزهد في الدنيا، والقناعة باليسير منها، وملازمة الأعمال الصالحة التي هي زاد الآخرة، ومجانبة السيئات والمخالفات، والمبادرة بالتوبة إلى الله تعالى منها، إن كان قد قارفها.
    وفي نسيان ذكر الموت وإطالة الأمل، أضداد هذه الفوائد وهذه المنافع، من شدة الرغبة في الدنيا، وشدة الحرص على جمع حطامها، والتمتع بشهواتها، والاغترار بزخارفها، وتسويف التوبة من الذنوب، والتكاسل عن الأعمال الصالحة.
    وقد قال السلف الصالح رحمهم الله: من طال أمله ساء عمله.
    وقال علي كرم الله وجهه: (أخوف ما أخاف عليكم، اتباع الهوى، وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة)، انتهى، وفي الحديث المرفوع: ((أخوف ما أخاف على أمتي اتباع الهوى وطول الأمل)).
    ولا خير بحال فيما ينسي الآخرة من الآمال، وهو الأمل الذي استعاذ منه عليه الصلاة والسلام، فقال: ((أعوذ بك من كل أمل يلهيني))، ومن دعائه صلوات الله عليه: ((وأعوذ بك من دنيا تمنع خير الآخرة، ومن حياة تمنع خير الممات، ومن أمل يمنع خير العمل)).
    فإذا غلب على قلب الإنسان استشعار طول البقاء في الدنيا، غلب عليه الاهتمام لها، والسعي لجمعها، حتى يغفل عن الآخرة وعن التزود لمعاده فيبغته الموت وهو على ذلك، فيلقى الله مفلساً من الأعمال الصالحة، فيندم ويتحسر، حيث لا ينفعه التحسر فيقول: {يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}[الفجر:24]، و{رَبِّ ارْجِعُونِ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ}[المؤمنون:99،100].
    المرض نذير الموت
    ثم إذا مرض الإنسان فينبغي له أن يأخذ في التوبة، والإكثار من الاستغفار ومن الذكر لله، والاعتذار إليه من سالف إساءاته وغفلاته، فإنه لا يدري لعله يموت من مرضه ذلك، ولعله قد حضره الأجل، فيختم عمله وأيام عمره بالخيرات فإن الأعمال بخواتيمها.

    والأمراض مذكرات بالآخرة، وبالرجوع إلى الله تعالى، وليوص بما يحتاج إلى الوصية به، مما يهمه من أمور آخرته ودنياه، سيما من حقوق الخلق وتبعاتهم، فإنها شديدة والخلاص منها عسير.
    وليكن في مرضه على غاية ونهاية من حسن الظن بالله تعالى. قال عليه الصلاة والسلام: ((لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى))، وليكن ذلك هو الغالب على قلبه، والمستولي عليه، فإنه تعالى يقول: ((أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني)).
    ودخل صلوات الله وسلامه عليه على مريض شاب يعوده، فقال: ((كيف تجدك؟))، فقال: أرجو ربي، وأخاف ذنوبي، فقال عليه الصلاة والسلام: ((ما اجتمعا في قلب مسلم في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف)).
    ومع ذلك ينبغي أن يكون حال الرجاء هو الغالب على المريض، سيما إذا ظهرت عليه علامات الموت، وقرب حضور الأجل، ليموت على حسن الظن بالله، وقوة الرجاء في كرمه، وسعة رحمته، وحب لقائه.
    وفي الحديث: ((من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه)). وقد جاء في معناه: أن العبد المسلم إذا حضره الموت، بُشر برحمة الله وفضله فأحب لقاء الله، وأحب الله لقاءه، وأن المنافق إذا حضره الموت، بُشر بعذاب الله، فكره لقاء الله، وكره الله لقاءه.

    فالمؤمنون المتقون يبشرون برحمة الله عند خروجهم من الدنيا، فتكاد أرواحهم أن تطير من أجسادهم شوقاً إلى ربهم وحب لقائه، حين تسلم عليهم الملائكة، وتبشرهم بدخول الجنة، وأن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، قال الله تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلاَمٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}[النحل:32]، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}[فصلت:30]، إلى قوله تعالى: {نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ}[فصلت:32].
    وينبغي للمريض أن يحترز من النجاسات أن تصيبه في بدنه وفي ثيابه فتمنعه من الصلاة، وليحذر كل الحذر من ترك الصلاة، وليُصلِّ على حسب حاله، قاعداً أو مضطجعاً، أو كيف أمكنه، ولا يختم عمله بالإضاعة لعماد الدين الذي هو الصلاة.
    وينبغي لمن حضره من أهله وأصحابه أن يحثوه على ذلك، ويعاونوه، ويذكروه به.
    وليعلم أن فرض الصلاة لا يسقط عنه ما دام عقله معه، وليكثر من قول: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، وليكثر من قراءة سورة الإخلاص.
    ثم إن المريض إذا غلب عليه المرض، وظهرت عليه أمارات قرب الموت كان الذي ينبغي لحاضريه من أهله وأقاربه أن ينظروا، فإن رأوا عليه شيئاً من مخايل الجزع وشدة الخوف فليذكروا له محاسن عمله، وسعة رحمة ربه، وعظيم عفوه عن المذنبين، وتجاوزه عن المقصرين، فقد كان السلف يستحسنون مثل ذلك مع المحتضرين من حاضريه، وربما التمس المحتضر منهم مثل ذلك من حاضريه.
    ومن المتأكد المأمور به أن يلقنوه (لا إله إلا الله)، فإذا قالها فلا ينبغي أن يعاد عليه، إلا إن تكلم بكلام آخر.

    وينبغي أن يقرأ عليه سورة (يس) المباركة، يقال: إن ذلك يسهل خروج الروح. وللموت كرب وسكرات. وقد تسهل وتهون على بعض المؤمنين.
    وفيما يروى عن ملك الموت عليه السلام أنه قال: إني بكل مؤمن شفيق رفيق. وقد يحضر الموتى في حال قبضهم أنواعٌ من الفتن والعياذ بالله.
    فلذلك ينبغي الإكثار لمن يحضرهم من قراءة القرآن، وأحاديث الرجاء، وذكر أحوال الصالحين، عند خروجهم من الدنيا.
    وفي بعض الآثار، أن الشيطان لعنه الله، أقرب ما يكون من العبد عند وفاته حرصاً منه على أن يفتنه، ولكن {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ}[النحل:100]، {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}[إبراهيم:27].
    وقد اشتد خوف السلف الصالح، رحمهم الله، من سوء الخاتمة، ولهم في ذلك أخبار وحكايات، يطول ذكرها. وقد ورد في ذلك ما يقتضي الخوف البالغ، مثل قوله عليه الصلاة والسلام: ((فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها)).
    وقال عليه الصلاة والسلام: ((إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس، وهو من أهل الجنة))، ومثل ذلك كثير.

    قالوا: وأكثر من يخشى عليه سوء الخاتمة -والعياذ بالله- المتهاون بالصلاة والمدمن لشرب الخمر، والعاق لوالديه، والذي يؤذي المسلمين، وكذلك المصرّون على الكبائر والموبقات الذين لم يتوبوا إلى الله منها، ويكاد يدل لذلك قوله تعالى: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُون}[الروم:10].
    فينبغي للمسلم: أن يرجو من فضل الله أن لا يسلبه نعمة الإسلام من بعد أن أنعم عليه بها ابتداء من غير وسيلة منه، ويخاف مع ذلك من التغير، لتقصيره في الشكر على هذه النعمة التي هي أعظم النعم، وقد كان بعض السلف، يحلف بالله: أنه ما أمن أحد على إسلامه أن يسلب إلا سلب.
    وينبغي أن لا يزال سائلاً من الله تعالى، متضرعاً إليه، أن يرزقه حسن الخاتمة، وقد ذكر عن إبليس لعنه الله أنه قال: قصم ظهري الذي يسأل الله حسن الخاتمة، أقول: متى يعجب هذا بعمله؟ أخشى أنه قد فطن.
    اللهم إنا نسألك بنور وجهك، وبحقك عليك، حسن الخاتمة عند الممات، لنا ولأحبابنا وللمسلمين، يا أرحم الراحمين. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين.
    المحتضر
    ومن السنة أن يضجع المحتضر على يمينه، مستقبل القبلة، فإذا قضى نحبه، فينبغي أن تغمض عيناه، فإنه يشخص ببصره عند ذلك.
    وفي الحديث: ((إن البصر يتبع الروح))، ويكثر عند ذلك حاضروه من الاستغفار له، والترحم عليه، والدعاء، فإن الملائكة يؤمنون على ما يقولون، وفي البكاء رخصة، والصبر خير منه وأفضل.
    النياحة والبكاء
    وأما النياحة والندب، وهو التعديد، وطرح التراب على الرأس، ولطم الخدود، وشق الجيوب، فجميع ذلك محرم شديد التحريم، وقد وردت الأحاديث الصحيحة، بالنهي عنه والوعيد عليه.

    تمني الموت
    ويكره تمني الموت، والدعاء به، لضر ينزل بالإنسان، من مرض أو فقر أو نحو ذلك من شدائد الدنيا، فإن خاف فتنة في دينه جاز له تمنيه، وربما ندب، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد فاعلاً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إن كانت الوفاة خيراً لي)).
    وقال عليه الصلاة والسلام: ((لا يتمنين أحدك الموت، إما محسن فعله يزاد وإما مسيء فلعله يستعتب)) أي يتوب ويعتذر.
    ثم إن الموت أمر مكتوب على جميع الأنام، وقضاء محتوم بين الخاص والعام، وقد سوى الله فيه بين القوي والضعيف، والوضيع والشريف، وقهر به الجبابرة، وقصر به القياصرة، وكسر به الأكاسرة، وجعله للمؤمنين المتقين تحفة وأي تحفة، وزلفة وأيّ زلفة، وللكافرين والمنافقين حسرة وأيّ حسرة، وأخذة وأيّ أخذة.
    فسبحانه من ملك جبار منفرد قهار، قد توحد بالدوام والبقاء، وتنزه عن الموت والفناء، فهو الأول بلا ابتداء، والآخر بلا انتهاء، قال عزَّ من قائل: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ}[الرحمن:26،27]، وقال تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[القصص:88]، وقال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ}[آل عمران:185].
    الموت والغسل
    فإذا مات العبد المسلم وتحقق موته، فينبغي الأخذ في تجهيزه إلى قبره بغسله وتكفينه والصلاة عليه، وينبغي أن يراعى في ذلك الاتباع، والأخذ بما ورد في السنة النبوية.
    وينبغي أن يُعلم بموته أهله وأقاربه، وجيرانه وأصحابه، وأهل الخير والصلاح، ليدعوا له ويترحموا عليه، ويشهدوا الصلاة على جنازته.

    ويستحب لمن بلغه موت أخيه المسلم، أن يقول بعد الاسترجاع: اللهم اجعل كتابه في عليين، واكتبه عندك من المحسنين، واخلفه في أهله في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين.
    ويدعو له ويثني عليه بالخير، فقد قال عليه الصلاة والسلام: ((اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم)).
    ولا ينبغي الإفراط في الثناء والمجازفة فيه بما يوقع في الكذب وما يقاربه.
    التشييع والدفن
    وفي تشييع جنازة المسلم والصلاة عليه وحضور دفنه فضل وثواب كثير. وفي الحديث الصحيح: ((إن من شيع جنازة مسلم حتى يصلي عليها كان له قيراط من الأجر، فإن بقي معها حتى يحضر دفنها كان له قيراطان والقيراط مثل جبل أحد)) الحديث.
    وينبغي الإسراع بالميت وتعجيله إلى قبره. فقد قال عليه الصلاة والسلام: ((إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال فإن كانت صالحة قالت: قدموني قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها إلى أين تذهبون بها؟))، وقال عليه الصلاة والسلام: ((أسرعوا بالجنازة، فإن تكن صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تكن سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم)).
    وللميت شعور ومعرفة بمن يغسله ويكفنه ويدليه في قبره. وقد ورد أن روحه بيد ملك يقف بها بالقرب منه ويمشي بها مع جنازته، وأنه يسمع ما يثنى به عليه من خير أو شر، فإذا وضع الميت في قبره فمن المستحب أن يقول الذي يضعه فيه: باسم الله وعلى ملة رسول الله، وأن يحثو من يدنو من القبر ثلاث حثيات، ويقول مع الأولى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} ومع الثانية: {وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} ومع الثالثة: {وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى}، ويصب عليه التراب قليلاً قليلا برفق، فإذا سوى عليه التراب فينبغي أن يمكث عنده الحاضرون ساعة، يتلون القرآن ويستغفرون للميت ويدعون له بالتثبيت، فإنه حينئذ يسأل كما في الحديث، أي يسأله الملكان منكر ونكير اللذان هما فتَّانا القبر، يسألان الميت بعد ما يدفن كما في الأثر: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟.

    فمن ثبته الله قال: الله ربي، والإسلام ديني، ومحمد نبيي، ومن أزاغه الله حار وتردد، على وفق ما كان عليه في الدنيا، من الشك والزيغ والإضاعة لأمر الله، وارتكاب محارمه، فيقول: هاه هاه لا أدري، كما ورد في الأحاديث الصحيحة، فعند ذلك يضربانه، ويضيق عليه قبره، ويملأ عليه عذاباً.
    وأما المؤمن المثبت، المستقيم على الإيمان والطاعة في حياته، فإنهما يبشرانه، ويوسع له في قبره، ويملأ عليه نوراً ونعيماً، وتحيط به أعماله الصالحة من الصلاة والصدقة والصيام وقراءة القرآن وذكر الله تعالى فيدفعن عنه ما يقصده من المخاوف والمهالك.
    وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((القبر إما روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار))، وقال عليه الصلاة والسلام: ما رأيت منظراً إلا والقبر أفضع منه)).
    وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه إذا حضر القبر يبكي حتى تبتل لحيته، فقيل له: إنك تذكر الجنة والنار فلا تبكي هذا البكاء، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((القبر أول منزل من منازل الآخرة، فإن نجا منه صاحبه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه)).
    ويقال: إن أكثر عذاب القبر من ثلاثة أشياء: الغيبة، والنميمة، وقلة التحفظ من البول، وفي الحديث: ((عامة عذاب القبر من البول)). وحديث الرجلين اللذين سمعهما صلى الله عليه وآله وسلم يعذبان في قبريهما وأمر بجريدة من النخل، فجعلت على قبريهما، وقال: ((لعله يخفف عنهما ما دامتا رطبتين، وأنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستبرئ من البول)) الحديث. وهو حديث صحيح مشهور.
    وكان صلى الله عليه وآله وسلم يكثر الاستعاذة من عذاب القبر، ويأمر بها في الدعاء الذي بعد التشهد من كل صلاة، وفي أذكار المساء والصباح، فعذاب القبر حق ونعيمه كذلك.

    ومما ينفع الله به الميت في قبره ويدفع به عنه: الدعاء له، والاستغفار، والتصدق عنه، وقد وردت في ذلك الأخبار والآثار الكثيرة، وتقدم كثير منها.
    ويروى أن هدايا الأحياء للأموات، من الصدقات والدعاء وقراءة القرآن تأتيهم بها الملائكة في أطباق من نور، مخمرة بمناديل من سندس، وتقول لأحدهم: هذه الهدية بعث بها إليك فلان، فيسره ذلك ويفرح به.
    ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين.
    وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد عبد الله ورسوله الأمين على وحيه وتنزيله، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه الهداة المهتدين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا معهم وفيهم
    برحمتك يا أرحم الراحمين.
    وكتبه
    السيد محمد بن السيد علوي المالكي الحسني.

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت أبريل 27, 2024 3:25 am